في غزة.. وحده الفراغ

27 مايو 2015

لاجئون في غزة (16يناير/2015/أ.ف.ب)

+ الخط -
لا شيء ربما يلخّص مأساة قطاع غزة، مثل قصة الشابة داليا شرّاب التي أعلنت، الاثنين الماضي، فك الخطبة من خطيبها راشد فضة، من سكان الضفة الغربية، لعدم تمكنها من الحصول على تصريح إسرائيلي بالسفر للعيش معه، بعد أربع سنوات من المحاولات والضغوط والحملات الإعلامية. كتبت في صفحتها في "فيسبوك": لأني من غزة، مش لازم أفكر أحب، أو أحلم، أو حتى أعيش. 
لم تتحدث داليا، هنا، عن معاناتها هي، بل نطقت بلسان جميع سكان قطاع غزة، وأجادت وصف مأساتهم، وهم يستعدون لاستقبال العام التاسع للحصار، الصيف المقبل.
ندرك أن الحديث عن معاناة القطاع بات أمراً مملاًّ، لكن خطورة الأوضاع، هنا، تجبرنا على العودة مجدداً إلى الحديث "المكرر"، فلعل وعسى تصادف الكلمات آذاناً صاغية، وقلوباً حية.
ولتسهيل شرح مستجدات الأوضاع، نقسم الحديث إلى محاور عدة:
إعادة الإعمار: في السابع من يوليو/ تموز المقبل، يكون قد مر عام على الحرب التي شنتها إسرائيل، وأدت إلى مقتل أكثر من ألفي فلسطيني، وتشريد نحو مائة ألف. وعلى الرغم من مرور عام كامل، إلا أن إعادة إعمار ما خلفته الحرب لم يبدأ بعد، وما زال السكان مشردين، بعضهم في مدارس الإيواء، وبعضهم في منازل متنقلة، وبعضهم عاد إلى السكن في خيام نصبوها فوق ركام المنازل. ولا تسأل عن سبب تأخر إعادة الإعمار، فمختلف الأطراف ذات العلاقة تُلقي بالمسؤولية على بعضها بعضاً.
معبر رفح: تستمر السلطات المصرية في إغلاق معبر رفح، وحسب وزارة الداخلية في قطاع غزة، فإن عمل المعبر خلال عام 2015 كان الأسوأ منذ عام 2009، حيث تجاوزت فترة إغلاقه 130 يوماً. وهذا يعني أن أحلام آلاف المرضى، وآلاف الطلاب، وآلاف العالقين، وآلاف الراغبين في أداء العمرة، والآلاف الراغبين في السفر لأغراض متعلقة بزيارة الأقارب، أو حتى الاستجمام، ستظل معلقة إلى أمد غير معروف.
معبر إيرز: في مفارقة غريبة، تفتح إسرائيل معبر إيرز يومياً، لعبور قرابة 800 مسافر. ويخفف فتح هذا المعبر كثيراً من المعاناة لبعض الفئات، كالمرضى والتجار، والطلبة، لكن الغالبية العظمى من سكان القطاع تخشى الاقتراب منه، فهو "مصيدة"، بكل ما تحمله الكلمة من معنى. كما أن توسعة عمل المعبر، تثير تساؤلاتٍ كثيرة بشأن الأهداف الإسرائيلية من وراء ذلك. فهل تريد إسرائيل تعزيز إغلاق مصر معبر رفح، بالقول إنه لا داعي له، فمعبر إيرز مفتوح.
الفقر والبطالة: العوز والحاجة في غزة وصلت إلى مستويات مأساوية، فبعض الأرقام تتحدث عن اقتراب نسبة البطالة إلى %44 (حسب البنك الدولي). وقد تمكنت إسرائيل من إمساك الفلسطينيين في غزة، من اليد التي تؤلمهم، حيث إنها، بمنع إدخال مادة الإسمنت فقط، تسببت بتوقف عشرات المهن التي ترتبط مباشرة بهذه المادة، وبالتالي، زادت من نسبة الفقر المتفاقمة أصلاً.
ومن الطبيعي أن ينجم، بفعل ما ورد أعلاه، ازدياد حالة الإحباط والكآبة، والضيق، فالسكان بشر، ولهم قدرة معينة على التحمّل.
التهدئة مع إسرائيل: لم يعد سرّاً أن حركة حماس تجري بشكل غير مباشر مفاوضات مع إسرائيل لتثبيت التهدئة، في مقابل رفع الحصار، وإنشاء ممر مائي لسكان القطاع. لكن التعويل على نتائج هذه المفاوضات بلا طائل، فهل من المعقول أن تمنح إسرائيل حماس قُبلة الحياة، بهذه البساطة، وهل ستقبل بقية الأطراف التي ظلت تحاصر غزة طوال هذه السنوات بهدف كسر الحركة، بإعلان فشلها؟
قد يتوصل الطرفان إلى اتفاقية قريباً، لكن، من المشكوك كثيراً أن تنفذ إسرائيل بنودها الخاصة بفك الحصار. ما يعني أن معاناة غزة ستستمر، إلى أن يشاء الله.
EE1D3290-7345-4F9B-AA93-6D99CB8315DD
ياسر البنا

كاتب وصحافي فلسطيني مقيم في قطاع غزة