قد يعرف الجميع نجيب محفوظ على أنه كاتب كبير ترك 33 رواية و13 مجموعة قصصية، وعلى أنه أول عربي ينال جائزة نوبل عام 1966، لكنه في حقيقة الأمر كان أكثر من ذلك، إذ إنه لم يكن ملكاً من ملوك الأدب فقط بل كان ملكاً على السينما أيضاً.
ولد نجيب محفوظ في 12 ديسمبر/ كانون الأول عام 1911، في أسرة عبد العزيز إبراهيم الباشا الذي كان مجرد موظف عادي، وكانت تنتظره حياة عادية جداً بالتأكيد لو لم تغيّر الكتابة مستقبله، ليغيّر في ما بعد مستقبل السينما أيضاً التي منحها وقته ومنحته سحرها.
ترك نجيب محفوظ عدداً من الأعمال السينمائية والتلفزيونية التي تجاوز عددها أعماله الأدبية، إذ بلغت خلال 65 عاماً أكثر من مائة عمل، فقد بدأ مشواره مع السينما عام 1947، من خلال كتابة فيلم "المتهم" الذي أخرجه المخرج الكبير صلاح أبو سيف، وكان عمر نجيب محفوظ آنذاك 35 عاماً، ثم قدم بعد هذا الفيلم عملاً آخر مع المخرج نفسه بعنوان "لك يوم يا ظالم" عام 1951، وكانت بطلته النجمة فاتن حمامة، إلى جانب محسن سرحان ومحمود المليجي.
توالت بعد ذلك أعمال نجيب محفوظ مع أشهر نجوم التمثيل، وكان يحب الفنانة "شادية" بشكل خاص لأنها تقمّصت أدوار بطلاته ببراعة، كما قدم مع نجمات أخريات مثل سعاد حسني وهند رستم مجموعة أفلام، ومن أفلامه: "ريا وسكينة"، "جعلوني مجرماً"، و"اللص والكلاب"، و"بين السماء والأرض"، و"الهاربة" و"بداية ونهاية"، و"بين القصرين"، و"زقاق المدق".
وجدير بالذكر أن نجيب محفوظ لم يكن يشارك في تحويل رواياته فقط إلى أعمال سينمائية، بل كان يكتب أيضاً السيناريو والحوار لأعمال كتّاب آخرين، فعلى سبيل المثال ألّف سيناريو وحوار فيلمين شهيرين جداً هما "أنا حرة" و"الطريق المسدود" للكاتب الكبير إحسان عبد القدوس.
وفي عام 1966 حدثت نقلتان نوعيتان في تاريخ نجيب حينما حصل على جائزة نوبل وحينما تولى أعلى منصب في المؤسسة العامة للسينما، وأصبح رئيس مجلس إدارتها، وكان ذلك بعد طريق طويل بين الوظائف الإدارية منذ حصوله على ليسانس الفلسفة عام 1930، ثم انتقل بين وزارة الأوقاف ووزارة الثقافة، حيث عمل مديراً في الرقابة على المصنفات الفنية، ثم مستشاراً للمؤسسة العامة للسينما والتلفزيون، قبل أن يتقلّد منصبه كرئيس لمجلس الإدارة، وقد يبدو ذلك غريباً، إذ إن روائياً حاز على أكبر جائزة عالمية من المفترض أن يهب حياته للأدب والرواية وأن يتفرغ لهما، لكن نجيب محفوظ، عكس كل التوقعات، توجّه لمجال السينما كأنه كان يرغب في إخراج أبطاله من الورق ورؤيتهم يتحركون أمامه ويتجسدون في الواقع. وقد ظهرت أعمال جديدة خالدة من تأليفه، منها "خان الخليلي"، "القاهرة 30"، "السمان والخريف"، "السكرية"، و"الكرنك".
كما خاض تجربة الكتابة الدرامية ليكون آخر عمل له عرض قبل وفاته هو مسلسل "السيرة العاشورية" عام 2005، حيث توفي إثر نزيف بقرحة معدية في 30 أغسطس/ آب عام 2006، والغريب في الأمر أنه استمر في تقديم أعمال جديدة حتى بعد وفاته، حيث ظهرت أفلام جديدة استوحت قصصها منه، مثل فلم "لمح البصر" الذي أنتج عام 2009 وقام ببطولته حسين فهمي والممثل الشاب أحمد حاتم، كما كان من المنتظر أن يخرج محمد خان فيلماً بعنوان "المسطول والقنبلة" المقتبس من قصة لمصطفى محرم، عالجها سينمائياً نجيب محفوظ، وبقيت في الأرشيف، مثلما ستبقى أفلامه ورواياته في أرشيف السينما والأدب ولكن على الرف الأول.. رفّ الخلود.
اقرأ أيضاً: كوميديا: عن أدونيس الذي "يخسر" نوبل كلّ عام