في ذكرى عمر المُختار

25 سبتمبر 2014
+ الخط -

"هذه ليست النهاية، بل سيكون عليكم أن تحاربوا الجيل القادم والأجيال التي تليه، أمَّا أنا، فإن عمري سيكون أطول من عمر شانقي".. بهذه الكلمات المقتضبة، عبّر المجاهد عمر المختار عن الإرادة الليبية قبل 83 عاماً، حين وقف أمام شانقيه بخطى ثابتة، سطرت أسمى معاني الشجاعة والبطولة.

 لم يكن عمر المختار، آنذاك، يمثل نفسه، بل كان أمّة تقف على قدمي رجل سبعيني، تلمع في عينيه فتوة جيلٍ، لا يعرف الخوف، اسمه "الشعب الليبي". وبين جيل وآخر، تنحرف البوصلة، فتنكسر نظارة المختار، وتبدو الصورة ضبابية، فعلى أعتاب مقصلةٍ جديدةٍ، يَسأله السجان: أهذا شعبك؟ فيجيب: كأنه هو! في محاولةٍ منه لاستنهاض الجيل الذي راهن عليه، وهو يحصي ما تدلى من أنفاسه على حبل مشنقته. تنحرف البوصلة أكثر، فتزداد الصورة قتامة. تنكسر البوصلة، فيسقط المختار، كما لم يسقط قبل 83 عاماً!
 
ها هي الذكرى الثالثة والثمانون لاستشهاد أسد الصحراء وشيخ المجاهدين تمر على استحياء، كأنها لم تكن، في وقت يشهد فيه الشارع الليبي انقساماً حاداً بين أطرافٍ، تسير بدقة متناهية على مسار النزاع، مقتفية أثر الأشقاء الذين سبقوها في صراع الشرعيات المنقوصة الذي أسقط من القاموس الليبي معاني الأخوة والتصالح والتسامح. ففي مناطق محدودة جداً، أحيا الليبيون "يوم الشهيد".
  
نعم، بهذه الطريقة يتسلل سوس الثورة المضادة في ليبيا إلى عكاز المختار، ليعيث فيه نخراً ونحراً. وعلى طريقته الخاصة، يتسلل المُحرر إلى كتب التاريخ، ليمسح بعض الأحرف وبعض الكلمات والأسطر والصفحات، وليجري تعديلاته النحوية على نصٍ، لا يمت لأهله بصلة، وعلى جيلٍ سقط سهواً من شفتين، خانهما التعبير على مفترق طرق بين جنتين!

مريحيل
مريحيل
علي أبو مريحيل
كاتب فلسطيني، عمل مراسلاً صحفياً في الصين لعدد من المؤسسات الإعلامية العربية. لديه العديد من المؤلفات والأبحاث والمقالات والتقارير الصحفية المرئية والمكتوبة.
علي أبو مريحيل