في ذكرى الـ74.. الكرة عدو نظام جبان

01 فبراير 2015
+ الخط -


"نحن أبناء التاريخ الذي ربّانا جهاز التلفاز وقال لنا إننا سنصبح نجوماً، لكن هذا لم يحدث، ونحن الآن ندرك هذه الحقيقة". مقولة شهيرة قيلت على لسان بطل رائعة رواية وفيلم "نادي القتال"، وكانت تجسيداً حقيقياً وواقعياً لقصة شخص وجد نفسه بلا هدف وأن حياته أصبحت بلا قيمة، ويعمل في وظيفة لا يحبها من أجل أموال يشتري بها أشياء لا يحتاج إليها.

وتحوّلت كرة القدم في مصر خلال السنوات الأخيرة إلى واقع مؤلم يعبّر بإيجاز عن هذه الحكمة الحياتية السابقة. ظهرت اللعبة من أجل المتعة، روادها هم سكان الركن الخلفي من المدرجات، وأنصارها يتخذون من الأماكن المنسية معقلاً لهم قبل كل مباراة. في ايطاليا، ينسى الشعب متاعب الاقتصاد السيئ في مباريات الدوري، أما عمال المناجم في كلسينكرشن فينتهون من عملهم الشاق ويذهبون لتشجيع ناديهم شالكة في ألمانيا، ويقال إن كتالونيا دولة، وجيشها فريق برشلونة لكرة القدم، بينما سكان الحي الفقير في بوينوس آيرس لا يفرحون إلا عندما يفوز البوكا.

هؤلاء جميعاً وأكثر منهم يشجعون فرقهم حتى الموت، وحال جماهيرنا العربية بشكل عام والمصرية بشكل خاص مشابه لهم في المجمل، فالقاهرة مدينة مليونية، لا يسألك أحد داخلها عن ميولك الاقتصادية، وحتى مذاهبك الدينية، بل يأتي السؤال الأشهر على الاطلاق، هل أنت أهلاوي أم زملكاوي؟ لكي تمثّل الاجابة جواز مرور إلى القلب أو خروج سريع منه دون رجعة.

مسألة مبدأ
كرة القدم هي لعبة الجماهير، وبدون هذا العنصر لا قيمة أبداً لهذه اللعبة، وتتحول في النهاية إلى رياضة مملّة ليس لها أي هدف حقيقي، مجرد 22 لاعباً يتحركون وراء جلد منفوخ، لأن الضالة في النهاية هي المتعة بالعرض الجميل أو الفوز أو شيء آخر، والمتلقي في كل هذه النهايات هو شخص واحد فقط، هو المشجع الذي يقتصد من جيبه الخاص من أجل شراء تذكرة، لدعم فريقه وتشجيعه من داخل الملعب، وفي مصر انتهت كل هذه المعاني بسبب سلطة غاشمة لا تنظر بعيداً عن أقدامها.

بدأت فكرة الأولتراس من قديم الأزل، ويعني باختصار المغالاة والتعصب في حب النادي والفريق، ودخل هذا العشق الجماهيري إلى الملاعب المصرية خلال سنوات سابقة، وسرعان ما حصلوا على دعم وإعجاب معظم فئات الجماهير، فسارعت الأغلبية إلى الانضمام إليهم، خصوصاً فئة الشباب التي تميل دائماً إلى صناعة كيان خاص لها بعيداً عن تقاليد القدامى الرتيبة بالنسبة للأفكار الصاروخية للجيل الجديد.

وبعد أن كانت الكاميرات تصوّب عدساتها إلى الملعب، سارع المخرجون في فهم قواعد اللعبة الجديدة، وأيقن الجميع أن الأيام القادمة ستكون لهؤلاء الذين يرقصون ويشجعون بعيداً عن المستطيل الأخضر، إنهم الأولتراس، المجاذيب، الباحثون عن متعة مختلفة وقيمة حقيقية، تبتعد تماماً عن حسابات المكسب والخسارة، وينظرون إلى اللعبة وكأنها تراث أثري غير قابل أبداً للبيع أو الشراء، فتّش عن روح القميص وقيمة الشعار، عن المبدأ وسره الخفي الذي صنع قوالب لا يفهمها إلا المتعصبون للحق أينما ذهب وكان.

ضد السلطة
يذهب الناس إلى الملعب أو الاستاد، وقبل بداية أي مباراة، تنطلق كاميرات الأجهزة المحمولة إلى المدرجات من أجل تصوير كل "دخلة" جماهيرية، ومع بداية أحداث المباراة، تذهب أعين المشاهدين بين الحين والآخر إلى هناك أيضاً، حيث يقوم الأولتراس باستعراض أهازيجهم ورقصاتهم في تناسق وتناغم يُحسدون عليه، حتى أصبحت هذه المجاميع أقرب إلى الأوركسترا الموسيقية، تتفق في أمور كروية عديدة، وتختلف ضد أمر واحد فقط، ضد الظلم بكل صوره واتجاهاته.

لذلك الأولتراس أشبه بالجماعات الأناركية، لكنهم لا يهدفون أبداً إلى الفوضى المطلقة، بل يحاربون السلطات الغشيمة، ويطاردون كل أشكال القهر والألم الذي تمارسه جهات تفننت في الضرب تحت الحزام، والعمل لحساب الصفوة، واستخدام عصا البطش ضد كل مَن يخالفهم. وجماعات الأولتراس كانت بمثابة الشوكة في ظهرهم، لأنها منظمة مؤمنة بقضيتها، ومستعدة للموت والتضحية من أجلها.

ورغم أن هناك فئات من الأولتراس اتجهت إلى العنف والمافيا، كما حدث في بعض بلدان أوروبا وأميركا اللاتينية، إلا أن الأولتراس المصري اختار بمحض إرادته المشاركة في الثورة المصرية، وكان بمثابة الدرع والسيف لمتظاهرين نزلوا من أجل حلم واحد، هو الحرية، مطالبين بالعيش والعدالة الاجتماعية لكل فئات الشعب المصري، ووافقهم سكان المدرجات وشاركوهم الغضب من البداية.

74
ولأنهم منظمون، محايدون، يعشقون الحق بمقدار حب غيرهم للحياة، تربّصت بهم السلطة الغاشمة وراقبتهم جيداً وانتظرت الفرصة المناسبة حتى تنتقم منهم، وجاءت مباراة الأهلي والمصري في بورسعيد لتكون كالخنجر الذي ينغرس في صدر المرح، ويُكتَب فاصل محزن ومبكٍ وقاسٍ على كل عشاق ومحبي الساحرة المستديرة، بعد مقتل 72 مشجعاً أهلاوياً داخل مدرجات ملعب بورسعيد، بمساعدة كاملة من أفراد الأمن.

نعم، بمساعدة أمنية كاملة، لهم محاكمهم وأحكامهم وقضاؤهم، ولنا عقلنا وقلبنا وحجّتنا التي تؤمن بحقيقة واحدة، أن فرد الأمن داخل أي ملعب وظيفته الحماية وحفظ الأمن والأمان، أما في بورسعيد فكان القاضي هو الخصم. وبدلاً من إنقاذ الشباب، قام بعضهم بإغلاق الأبواب عليهم لتستمر المأساة وتحدث المجزرة التي راح ضحيتها خيرة أفراد مجموعة أولتراس أهلاوي.

وفي ذكرى المذبحة، لا يسعنا إلا التذكرة والتأكيد على حق وحرمة دمائهم الزكية، وأن الفكرة أبداً لا ولن تموت، لذلك لا يتم الحديث عن 72 مشجعاً، بل عن 74، لأن هناك اسمان صعدا إلى السماء خلال تظاهرات سابقة ضد النظام بعيداً عن المدرجات، وهذا جوهر الوفاء الذي لا تعرفه قلوب متحجرة قررت حصد أرواح اختارت نصرة الحق دون تراجع أو خوف.

سيعود المدرج وستهتف الملايين من جديد..

يسقط نظام بيقتل كل يوم في جيل وجيل
دبرولنا المؤامرة دبرولنا المستحيل
قتلوا أغلى الصحاب قتلوا حلم السنين!

المساهمون