لم يشهد أهالي سيناء حرية نسبية، إلا إبان ثورة 25 يناير 2011، إذ تمكنوا من التخلص من أذى عناصر أمن وزارة الداخلية المصرية، بعد أن عُرفت بتغولها على أبناء سيناء بصورة أفظع من بقية محافظات مصر. إلا أن نعمة الثورة لم تدم كثيراً، وبدأ الأهالي بدفع ثمن حريتهم في عامي الثورة وحكم الرئيس المعزول محمد مرسي، في أعقاب الانقلاب العسكري الذي وقع صيف عام 2013. وانطلق مسلسل الإيذاء بحقهم بمشاهد دموية لم يعهدوها قبل الثورة، بعد أن بات أذى الجيش بديلاً للداخلية وعلى نحو أشد.
وفي ظل العمليات العسكرية التي لا تنتهي في سيناء، والتي تحصد معها أرواح مئات المدنيين، عدا عن المعتقلين والمختفين والمصابين، وآلاف القصص الإنسانية التي صنعتها آلة الحرب في سيناء، تنقسم آراء عدد من المواطنين من سكان مدينتي الشيخ زويد والعريش، في الذكرى الثامنة لثورة 25 يناير التي شاركت فيها محافظة شمال سيناء بشكل لافت. البعض اعتبر أن "ثورة يناير كانت مدخلاً لهذه المرحلة التي تعيشها سيناء في الفترة الحالية"، بينما رأى البعض الآخر أن "سيناء بحاجة إلى ثورة من أهلها بعيداً عن بقية محافظات مصر، لوقف الممارسات التي تتخذ بحقهم منذ عام 2013، من دون أي رقابة على عمل الأجهزة الأمنية في الجيش والشرطة، والتي راح ضحيتها آلاف المدنيين الأبرياء.
في هذا السياق، اعتبر السائق عوني زعرب، من سكان مدينة الشيخ زويد لـ"العربي الجديد"، أن "أهالي سيناء لو كانوا يعرفون أن نهاية ثورة يناير ستؤدي إلى أحداث 2013، وما تبعها من وقائع على الأرض، ستكون مؤسفة بحق سيناء، لما خرجوا ولا شاركوا فيها، فما يتعرض له أبناء سيناء يبدو أنه جاء عقابا لهم على خروجهم في الثورة، ورفضهم لاستبداد الأمن في تلك المرحلة. فالفترة التي أمضيناها في الوضع الجيد من عام 2011 إلى 2013 أصبحت من الماضي البعيد، بعد السنوات الصعبة التي ما زلنا نعيشها منذ صيف عام 2013". وأوضح أن "ثورة يناير كانت بداية لحياة حقيقية لأبناء سيناء، إذ تمكنا خلالها من العمل الجيد وتأسيس أنفسنا من خلال النشاط الاقتصادي الذي ازدهر في سيناء في أعقاب الثورة".
أما أحمد عزيز صاحب أحد المحال التجارية بوسط مدينة العريش، فقال في حديثٍ لـ"العربي الجديد" إن "سيناء بحاجة إلى ثورة شعبية حقيقية، ترفض فيها الظلم الواقع عليها منذ عقود، وازداد في الأعوام الخمس الماضية، فالإنسان مستهدف بنفسه وأرضه واقتصاده بشكل مباشر من السياسات التي تتبعها الدولة مع أبناء سيناء وكأنهم ليسوا بمصريين. بالتالي يجب أن يسمع الجميع صوت رفضنا لكل ما تفعله الدولة بسيناء، فكما نرفض الإرهاب ونعاون الدولة على التخلص منه في سيناء، فإننا نرفض أيضاً الظلم الواقع علينا. وهذا حق لنا شعرنا بقيمته بعد ثورة يناير، فمن عايش تلك الفترة يشعر بالمهانة في ظل التعامل الأمني مع أهالي سيناء في الوقت الحالي، فإذا لم تخرج مصر في ثورة جديدة، فإن على أبناء سيناء أن يتجهوا لثورة بسيناء تخلصهم مما هم فيه منذ سنوات بل عقود".
تجدر الإشارة إلى أن "الحالة الاقتصادية في سيناء باتت في أسوأ أحوالها منذ عقود، بعد أن جرف الجيش المصري آلاف الفدانات الزراعية التي تمثل مصدر رزق لمئات الأسر بسيناء، عدا عن تعطيل عمل الصيادين في بحر سيناء. وكذلك الحصار المشدد على دخول البضائع وتصديرها من سيناء منذ سنوات، بالإضافة إلى التضييق على السائقين من خلال تعبئة سياراتهم بالغاز أو الوقود وفق جدول محدد وليس بناءً على رغبة السائق، وذلك منذ انتهاء الحصار الذي فرض مع بدء العملية العسكرية الشاملة في فبراير/شباط الماضي".
من جهته، اعتبر الناشط السياسي زهدي جواد لـ"العربي الجديد" أن "الأجواء السياسية والأمنية في سيناء كانت قبل ثورة يناير أفضل مما هي عليه منذ الانقلاب العسكري عام 2013، إذ تحولنا من حالات الاعتقال التعسفي لأيام ومنع التحركات السياسية غير المرخصة، إلى اختطاف وتعذيب وقتل وجرح، في مشاهد صعبة لم نكن نتخيل أنها ستصبح واقعاً في سيناء. فنحن الذين لم نكن نقبل أن تمتد يد الدولة على شبر من أراضي المواطنين تحت أي حجة، بتنا نرى جرافات الجيش تأكل الأخضر واليابس في مدن المحافظة، من دون أن نستطيع أن نحرك ساكناً، في ظل الشماعة الكبرى (محاربة الإرهاب)، عدا عن تعرض غالبية الأهالي لتضييق يومي من قبل قوات الأمن المنتشرة في كل أنحاء سيناء".
ولفت إلى أن "العلاقة التي كانت تربط قوى الأمن بالمواطن قبل الثورة أفضل من الآن بمسافات كبيرة، وفي فترة الثورة وما قبل الانقلاب العسكري كانت الأوضاع في أفضل حالاتها على الإطلاق، إذ انتعشت الحركة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في سيناء بشكل غير مسبوق. لكن أبناء سيناء باتوا يدفعون الآن ثمن ذلك الانتعاش الذي عاشوه لعامين ونصف العام تقريباً، فلا أمن ولا سياسة ولا اقتصاد ولا اجتماعيات في سيناء، عدنا بفعل ممارسات الأمن عقب الانقلاب إلى ما قبل عقود، وهذا لا يمكن أن يُفهم إلا ضمن مخطط كبير يجري تنفيذه في الوقت الحالي، على حساب سيناء وأهلها. بالتالي إن الحل في سيناء لن يأتي إلا بثورة شعبية كبرى، تتحرك فيها كل المحافظات المصرية بما فيها سيناء، لتدارك الموقف بوقف استكمال المخطط الذي ينفذ بسيناء منذ عام 2013 تحت حجة محاربة الإرهاب التي لا يدفع ثمنها سوى مصر بأبنائها وأرضها".
وحلّت ذكرى الثورة في الوقت التي شهدت فيه سيناء قصفاً إسرائيلياً غير مسبوق على مناطق متفرقة من المحافظة، بقبول مصري رسمي، أو قد يكون بطلب من القيادة العسكرية المصرية. وهذا ما زاد من حنق المواطنين الذين يرفضون ذكر اسم إسرائيل في سيناء، بعد السنوات التي عاشوها إبان الاحتلال الإسرائيلي لهم عام 1967، عدا عن بقاء آلاف المعتقلين بلا تهمة في سجون الجيش المصري، واختفاء المئات من دون معرفة مصيرهم رغم مرور السنوات.