07 اغسطس 2024
في دلالات خفض المعونة الأميركية لمصر
أعلنت الإدارة الأميركية، في 22 أغسطس/ آب الحالي، قرارها تقليص المساعدات العسكرية والاقتصادية المقرّرة لمصر بحوالي 96 مليون دولار، وتجميد 195 مليون دولار إضافية، بسبب تدهور أوضاع حقوق الإنسان في مصر. ومثلت هذا الإجراء مفاجأة غير سارة للحكومة المصرية قابلتها باستهجان، كما فاجأ القرار كذلك كثيرين من متابعي السياسة الخارجية الأميركية، خصوصا منذ تولي الرئيس دونالد ترامب الحكم، حيث شهدت العلاقة بين إدارته والنظام المصري دفئا ملحوظا، إلى درجة أن ترامب سارع إلى الاتصال بالرئيس عبد الفتاح السيسي بعد قرار خفض المعونة، لتأكيد "حرصة على تخطي أي عقبات في سبيل التعاون بين البلدين". وتستدعي طبيعة الإجراءات المفاجئة، وثقلها على الطرف المصري، وعلى الرئيس ترامب، وقفةً لمحاولة فهمها، وفهم أسبابها وتبعاتها في المستقبل المنظور.
وأول ما يلاحظ على هذا الصعيد أن تفسيرات وسائل الإعلام الأميركية والتصريحات الرسمية لأسباب الإجراءات السلبية المفاجئة ربطتها بعاملين أساسيين، قوانين فرضها الكونغرس تقضي بحظر 15% من المساعدات المقدمة للدول الأجنبية، ما لم تلتزم هذه الدول بمعايير حقوق الإنسان، وعدم رضا الإدارة الأميركية على تعاون مصر مع كوريا الشمالية. وتطبيقا لقواعد الكونغرس، أسقطت الإدارة 96 مليون دولار، وجمّدت 195 مليون دولار إضافية من المساعدات العسكرية والاقتصادية المقرّرة لمصر، والبالغ حجمها حوالي 1.3 مليار دولار سنويا، على أن تغير مصر سياستها قبل الثلاثين من سبتمبر/ أيلول المقبل، وإلا سقط المبلغ المجمّد أيضا.
وتورد تقارير صحافية أميركية أن ترامب سبق أن حذر السيسي مباشرة من مغبة استمرار نظامه في التعاون مع حكومة كوريا الشمالية، خصوصا في الجانب العسكري، وتصدير أسلحتها للخارج، لكن الحكومة المصرية لم تستجب لتحذيرات ترامب، على الرغم من أن حصار كوريا الشمالية اقتصاديا وعسكريا من أهم أهداف سياسة ترامب الخارجية حاليا. وتحت ضغوط من الكونغرس، وربما أيضا من مؤسسات أميركية أخرى كالخارجية والدفاع، قرّرت الإدارة الأميركية إسقاط مستحقات مصرية، وتجميد جزء إضافي منها، على أمل تغيير السياسة المصرية.
وثانيا، تبدو الإجراءات الأميركية محدودة النطاق والأثر، فهي مرتبطة بملف خارجي، كالتعاون مع كوريا الشمالية، وبملف داخلي محدود، وهو حقوق الإنسان، في حين تتغاضى عن قضية أكبر، وهي التحوّل الديمقراطي بشكل عام، فلا تبدو الإدارة الراهنة راغبةً في ممارسة أي ضغوط حقيقية لفتح المجال السياسي المصري، ويبدو أن غاية ما تطلبه من نظام السيسي التوقف عن الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان، مثل حبس المواطنين المصريين من أصول أميركية والصحافيين، وتجريم مؤسسات العمل المدني، ووضع القيود المدمرة لعملها، فيما عدا ذلك تبدو الإدارة الأميركية غير معنية بممارسة أي ضغوط جادة للتحوّل الديمقراطي في مصر.
ثالثا: على الرغم من أن طبيعة الإجراءات الأميركية محدودة الهدف والدوافع، إلا أنها تعبر عن تحول مهم في العلاقات المصرية الأميركية في ظل إدارة ترامب، لثلاثة أسباب رئيسية: أولها أن هذه الإجراءات أخرجت العلاقات المصرية الأميركية من دائرة العلاقة الخاصة بين السيسي وترامب إلى دائرة أوسع، وهي العلاقة بين نظامي البلدين، بما يعنيه ذلك من مؤسسات وفاعلين كثيرين. فمنذ صعود ترامب والعلاقة الشخصية بينه وبين السيسي تثير سخط متابعين أميركيين كثيرين قبل العرب، حيث رأى محللون أميركيون أن ترامب يبالغ في التعبير عن إعجابه بشخصية السيسي وسياساته، على الرغم مما يمارسه الأخير من انتهاكاتٍ، وكأن ترامب وجد في السيسي ضالته ونموذجا يحتذى من القادة الأجانب، خصوصا في ظل الإعجاب والتبجيل الذي يقدمه السيسي لترامب، وكأنه يرضى نرجسيته وغروره اللافتين للأنظار.
شهدت إجراءات خفض وتجميد أجزاء من المعونة دورا للكونغرس وللخارجية وربما لوزارة الدفاع، ويبدو أن ترامب لم يستطع مواجهة هذه الضغوط، خصوصا في ظل تراجع شعبيته وشعبية سياسته، وكما شهدت الفترة الأخيرة فصل عدد من أبرز مساعدي دونالد ترامب وأهمهم، وأكثرهم تشدّدا، مثل مستشاره للأمن القومي، مايكل فلين، ومستشاره السياسي، ستيف بانون، وقد عرف كل منهما بتطرّفه السياسي، ومواقفه المعجبة بالديكتاتوريات في العالم. وقد ارتبط تغيير هؤلاء وصعود دور المؤسسات الأميركية بتراجع ترامب عن بعض مواقفه المعلنة تجاه الشرق الأوسط والعالم، وفي مقدمتها موقفه من الأزمة الخليجية المساند لدول الحصار، والذي تراجع عنه لصالح دور أكثر حيادية تقوده الخارجية الأميركية. ويبدو أن الإجراءات تجاه مصر أخيرا تأتي على المنوال نفسه، حيث يتراجع دور ترامب المساند لديكتاتورية السيسي لصالح دور أكثر توازنا، ولو قليلا، تلعبه الخارجية الأميركية ومؤسسات أخرى كالدفاع، وكذلك الكونغرس، والذي يضع شروطا على السياسة الخارجية، ويشرّع لها، ولا يمارسها.
ثانيا: لم تثمر العلاقة الخاصة بين السيسي وترامب حتى الآن أي تغيرات دراماتيكية في العلاقة بين مصر والولايات المتحدة، حيث أسقطت عشرات الملايين من دولارات المعونة، وتم تجميد كمية أكبر حتى نهاية سبتمبر/ أيلول. ومع مطلع العام المقبل، يدخل حيز التنفيذ قانون أقرّته إدارة الرئيس باراك أوباما، يحدّد نواحي صرف المعونة العسكرية الأميركية لمصر، ويحول دون قدرة مصر على شراء الأسلحة، معتمدة على المعونة فقط. حيث اعتادت مصر
في السابق الحصول على المعونة الأميركية، من دون تحديد أوجه صرفها، وكذلك التعامل معها خط ائتمان، يسمح لها بشراء أسلحة ضمن صفقاتٍ كبرى، تدفعها بشكل ما من المعونة. ومع بداية العام المقبل، على الحكومة المصرية إنفاق المعونة في شراء أسلحة ترتبط بمجالاتٍ أمنيةٍ محدّدة، مثل مكافحة الإرهاب وحماية الحدود، ولن تتمكن كذلك من استخدام المعونة خط ائتمان، يساعدها على الدفع المؤجل.
على الجانب الآخر، من المقرر أن تستأنف مناورات النجم الساطع في الشهر المقبل، بعد توقفها سنوات، لكن تلك المناورات ستعود محدودةً، يشارك فيها حوالي 200 عسكري أميركي فقط، لا آلاف كما في الماضي، وستركز على قضايا محدّدة، كنقل الخبرات في مكافحة الإرهاب.
ثالثا: تبدو العلاقات المصرية الأميركية كما إشارات تقارير أميركية في السابق تسير في منحنى تنازلي، بسبب تراجع أهمية مصر للولايات المتحدة، سواء في مجال عملية السلام في الشرق الأوسط، أو الحرب على الإرهاب، أو في مجال تنمية المنطقة وتطويرها، وطبعا في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، وذلك لصالح دول أخرى في المنطقة، تبدو أكثر قدرة حاليا من لعب تلك الأدوار، فدول الخليج باتت أكثر ثقلا في مصر في مجالاتٍ، كعملية السلام والحرب على الإرهاب والنفوذ الاقتصادي، وهناك دول أخرى، مثل تونس باتت أكثر انفتاحا على الديمقراطية والحريات، وتقديم نماذج للتعايش السلمي.
وبناء على ما سبق، ولو حاولنا استشراف المستقبل، لوجدنا أن العلاقات المصرية الأميركية مستمرة في التراجع الاستراتيجي على المستوى المنظور، نظرا إلى تراجع الدور المصري بشكل عام. وتأتي الإجراءات أخيرا لتمثل صدمة للنظام المصري، ودليلا على دور متزايد للمؤسسات الأميركية غير الراضية عن سياسات النظام، وأن العلاقة الخاصة بين ترامب والسيسي لن تحول دون مواجهة العلاقة بين البلدين في مفاجآت غير سارة، وإن كانت الولايات المتحدة غير معنية حاليا بلعب دور أكبر على صعيد مطالبة النظام المصري بالانفتاح الديمقراطي، وإن مثلت الإجراءات إحراجا صريحا للنظام المصري، يمكن أن يستغله معارضوه في الدوائر الحقوقية الدولية، لو أحسنوا تنظيم أنفسهم، وهم بعيدون عن ذلك حاليا.
وأول ما يلاحظ على هذا الصعيد أن تفسيرات وسائل الإعلام الأميركية والتصريحات الرسمية لأسباب الإجراءات السلبية المفاجئة ربطتها بعاملين أساسيين، قوانين فرضها الكونغرس تقضي بحظر 15% من المساعدات المقدمة للدول الأجنبية، ما لم تلتزم هذه الدول بمعايير حقوق الإنسان، وعدم رضا الإدارة الأميركية على تعاون مصر مع كوريا الشمالية. وتطبيقا لقواعد الكونغرس، أسقطت الإدارة 96 مليون دولار، وجمّدت 195 مليون دولار إضافية من المساعدات العسكرية والاقتصادية المقرّرة لمصر، والبالغ حجمها حوالي 1.3 مليار دولار سنويا، على أن تغير مصر سياستها قبل الثلاثين من سبتمبر/ أيلول المقبل، وإلا سقط المبلغ المجمّد أيضا.
وتورد تقارير صحافية أميركية أن ترامب سبق أن حذر السيسي مباشرة من مغبة استمرار نظامه في التعاون مع حكومة كوريا الشمالية، خصوصا في الجانب العسكري، وتصدير أسلحتها للخارج، لكن الحكومة المصرية لم تستجب لتحذيرات ترامب، على الرغم من أن حصار كوريا الشمالية اقتصاديا وعسكريا من أهم أهداف سياسة ترامب الخارجية حاليا. وتحت ضغوط من الكونغرس، وربما أيضا من مؤسسات أميركية أخرى كالخارجية والدفاع، قرّرت الإدارة الأميركية إسقاط مستحقات مصرية، وتجميد جزء إضافي منها، على أمل تغيير السياسة المصرية.
وثانيا، تبدو الإجراءات الأميركية محدودة النطاق والأثر، فهي مرتبطة بملف خارجي، كالتعاون مع كوريا الشمالية، وبملف داخلي محدود، وهو حقوق الإنسان، في حين تتغاضى عن قضية أكبر، وهي التحوّل الديمقراطي بشكل عام، فلا تبدو الإدارة الراهنة راغبةً في ممارسة أي ضغوط حقيقية لفتح المجال السياسي المصري، ويبدو أن غاية ما تطلبه من نظام السيسي التوقف عن الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان، مثل حبس المواطنين المصريين من أصول أميركية والصحافيين، وتجريم مؤسسات العمل المدني، ووضع القيود المدمرة لعملها، فيما عدا ذلك تبدو الإدارة الأميركية غير معنية بممارسة أي ضغوط جادة للتحوّل الديمقراطي في مصر.
ثالثا: على الرغم من أن طبيعة الإجراءات الأميركية محدودة الهدف والدوافع، إلا أنها تعبر عن تحول مهم في العلاقات المصرية الأميركية في ظل إدارة ترامب، لثلاثة أسباب رئيسية: أولها أن هذه الإجراءات أخرجت العلاقات المصرية الأميركية من دائرة العلاقة الخاصة بين السيسي وترامب إلى دائرة أوسع، وهي العلاقة بين نظامي البلدين، بما يعنيه ذلك من مؤسسات وفاعلين كثيرين. فمنذ صعود ترامب والعلاقة الشخصية بينه وبين السيسي تثير سخط متابعين أميركيين كثيرين قبل العرب، حيث رأى محللون أميركيون أن ترامب يبالغ في التعبير عن إعجابه بشخصية السيسي وسياساته، على الرغم مما يمارسه الأخير من انتهاكاتٍ، وكأن ترامب وجد في السيسي ضالته ونموذجا يحتذى من القادة الأجانب، خصوصا في ظل الإعجاب والتبجيل الذي يقدمه السيسي لترامب، وكأنه يرضى نرجسيته وغروره اللافتين للأنظار.
شهدت إجراءات خفض وتجميد أجزاء من المعونة دورا للكونغرس وللخارجية وربما لوزارة الدفاع، ويبدو أن ترامب لم يستطع مواجهة هذه الضغوط، خصوصا في ظل تراجع شعبيته وشعبية سياسته، وكما شهدت الفترة الأخيرة فصل عدد من أبرز مساعدي دونالد ترامب وأهمهم، وأكثرهم تشدّدا، مثل مستشاره للأمن القومي، مايكل فلين، ومستشاره السياسي، ستيف بانون، وقد عرف كل منهما بتطرّفه السياسي، ومواقفه المعجبة بالديكتاتوريات في العالم. وقد ارتبط تغيير هؤلاء وصعود دور المؤسسات الأميركية بتراجع ترامب عن بعض مواقفه المعلنة تجاه الشرق الأوسط والعالم، وفي مقدمتها موقفه من الأزمة الخليجية المساند لدول الحصار، والذي تراجع عنه لصالح دور أكثر حيادية تقوده الخارجية الأميركية. ويبدو أن الإجراءات تجاه مصر أخيرا تأتي على المنوال نفسه، حيث يتراجع دور ترامب المساند لديكتاتورية السيسي لصالح دور أكثر توازنا، ولو قليلا، تلعبه الخارجية الأميركية ومؤسسات أخرى كالدفاع، وكذلك الكونغرس، والذي يضع شروطا على السياسة الخارجية، ويشرّع لها، ولا يمارسها.
ثانيا: لم تثمر العلاقة الخاصة بين السيسي وترامب حتى الآن أي تغيرات دراماتيكية في العلاقة بين مصر والولايات المتحدة، حيث أسقطت عشرات الملايين من دولارات المعونة، وتم تجميد كمية أكبر حتى نهاية سبتمبر/ أيلول. ومع مطلع العام المقبل، يدخل حيز التنفيذ قانون أقرّته إدارة الرئيس باراك أوباما، يحدّد نواحي صرف المعونة العسكرية الأميركية لمصر، ويحول دون قدرة مصر على شراء الأسلحة، معتمدة على المعونة فقط. حيث اعتادت مصر
على الجانب الآخر، من المقرر أن تستأنف مناورات النجم الساطع في الشهر المقبل، بعد توقفها سنوات، لكن تلك المناورات ستعود محدودةً، يشارك فيها حوالي 200 عسكري أميركي فقط، لا آلاف كما في الماضي، وستركز على قضايا محدّدة، كنقل الخبرات في مكافحة الإرهاب.
ثالثا: تبدو العلاقات المصرية الأميركية كما إشارات تقارير أميركية في السابق تسير في منحنى تنازلي، بسبب تراجع أهمية مصر للولايات المتحدة، سواء في مجال عملية السلام في الشرق الأوسط، أو الحرب على الإرهاب، أو في مجال تنمية المنطقة وتطويرها، وطبعا في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، وذلك لصالح دول أخرى في المنطقة، تبدو أكثر قدرة حاليا من لعب تلك الأدوار، فدول الخليج باتت أكثر ثقلا في مصر في مجالاتٍ، كعملية السلام والحرب على الإرهاب والنفوذ الاقتصادي، وهناك دول أخرى، مثل تونس باتت أكثر انفتاحا على الديمقراطية والحريات، وتقديم نماذج للتعايش السلمي.
وبناء على ما سبق، ولو حاولنا استشراف المستقبل، لوجدنا أن العلاقات المصرية الأميركية مستمرة في التراجع الاستراتيجي على المستوى المنظور، نظرا إلى تراجع الدور المصري بشكل عام. وتأتي الإجراءات أخيرا لتمثل صدمة للنظام المصري، ودليلا على دور متزايد للمؤسسات الأميركية غير الراضية عن سياسات النظام، وأن العلاقة الخاصة بين ترامب والسيسي لن تحول دون مواجهة العلاقة بين البلدين في مفاجآت غير سارة، وإن كانت الولايات المتحدة غير معنية حاليا بلعب دور أكبر على صعيد مطالبة النظام المصري بالانفتاح الديمقراطي، وإن مثلت الإجراءات إحراجا صريحا للنظام المصري، يمكن أن يستغله معارضوه في الدوائر الحقوقية الدولية، لو أحسنوا تنظيم أنفسهم، وهم بعيدون عن ذلك حاليا.