فيلّا مصريّة لعزلة الرجل الحزين

13 نوفمبر 2014
خالد أبو النجا الذي يستند العمل على حضوره
+ الخط -

رغم ابتعاد الجدل الذي صاحب التصويت على الفيلم الذي يمثّل مصر في النسخة المقبلة من "الأوسكار"، عن حدود أخلاق الفن، بين صانعي الأفلام المتنافسة؛ إلا أنه يبقى مبرراً، إذا ما أخذنا بالاعتبار القيمة الفنية التي طبعت كل الأعمال المرشحة.

كانت اللجنة المخوّلة تسمية الشريط قد اختارت ترشيح "فتاة المصنع" لمحمد خان، قبل أن تعيد التصويت مرة أخرى، بعد أن أسقطت سهواً شريطَيْ "فيلا 69" لآيتن أمين، و"فرش وغطا" لأحمد عبد الله السيد.

لكن اللجنة، في تصويتها الثاني، عادت واختارت الفيلم ذاته، "فتاة المصنع"، وكأن الأمر كان شبه محسوم منذ البداية، خصوصاً وأننا تعوّدنا، مصرياً، أن يكون الترشيح الأوّلي إلى "الأوسكار" من نصيب المخرج صاحب الاسم الأقوى، وليس بالضرورة صاحب الفيلم الأفضل.

يبدو عنوان "فيلا 69" أشبه باسم لرواية، رغم أن نصّه الذي وضعه محمد الحاج ومحمود عزت كُتب خصيصاً للفيلم. ما ينطبق على عنوان الشريط، ينطبق على أحداثه، التي تحمل أيضاً السمة نفسها، إذ تبدو عناصر الفيلم السينمائية، من شخصيات وفضاء مكاني، وكأنها سليلة نص روائي موغل في الاحتفاء بالمكان والتفاصيل.

حسين (خالد أبو النجا)، رجل خمسيني، يعيش وحيداً في فيلا، سنعرف بتتابع الأحداث أنه اختار عزلته عن الناس طوعاً. يجلس في البيت متنقلاً بين زواياه. تزوره، من حين إلى آخر، هناء (هبة يسري) لإعطائه الدواء؛ يأتي أصدقاؤه، يسلّونه، يتحدثون، ويمرحون أحياناً؛ تزوره أيضاً صديقته سناء (أروى جودة)، التي تجلس معه طويلاً، ثم تنصرف. الكل يأتي وينصرف، ويبقى حسين وحيداً كالعادة.

حتى العمل الذي عليه فعله، يحضره له حيدر (أمجد رياض) إلى البيت، لينجزه هناك. يعاني حسين من مرض مميت، لا تفصح عنه أحداث الشريط بشكل واضح، بل تكتفي بإعلامنا بأن الموت يتربص بهذه الشخصية التي تخفي حزناً شديداً، رغم محاولتها إخفاءه بمعاداة الناس والنفور منهم. لكن حسين، مع ذلك، إنسان طيب وعطوف وحائر وخائف، مثل كثيرين. تزوره نادرة (لبلبة) وتُحضر معها حفيدها سيف.

ورغم رفض حسين استقبالها في البيت، إلا أنها تصرّ على فعل ذلك. بعد أخذ ورد، يجد حسين متعة معها، رغم عناده في تقبّلها. يستمر في إخفاء سعادته بحضورها. في هذا الوقت، ومع إحساسه باقتراب الموت، يقوم بأعمال إنسانية. يساعد سناء على الزواج، ويخفّف من توتر علاقته مع كل من حوله، لكنه يحافظ على ردوده المستفزة وغير المبالية بالآخرين.

لم يكن مقرراً في البداية أن يلعب خالد أبو النجا دور حسين، إذ كان من المفترض أن يؤديه شقيقه سيف، بينما كان هو متحمساً للمشاركة في الإنتاج فقط. لكن المنتج أحمد حفظي سيتصل به ليعرض عليه أن يجرب الشخصية بعد إجراء اختبارات مكياج. يوافق خالد ونشاهده في الفيلم. المكياج اقترب به كثيراً من السن المطلوبة: لون الشعر، التجاعيد، التعب الظاهر.

لكن أداء أبو النجا هو ما جعل الشخصية أقرب إلى الخمسين: حركته داخل الفضاء، وحرصه على صعود السلم مقوّس الظهر، إضافة إلى الكلام بهدوء. ورغم أن الأداء يبدو قوياً بالنظر إلى العناصر الفيلمية الأخرى؛ إلا أنه لا بدّ من الإقرار، في الوقت نفسه، أن الشخصيات لم تُختبر فنياً بقدر كبير، نظراً إلى شح المكان في الفيلم، الذي أظهر خوف المخرجة من مغادرته مع كاميراها، وكأن عدوى حسين انتقلت إليها.

ذلك لا يلغي أن "فيلا 69"، أول روائي طويل لآيتن أمين، هو تجربة شجاعة بالنسبة إلى مخرجة شابة تقتصر مسيرتها على ثلاثة أفلام قصيرة فحسب. ثمة مزج فني ذكي، في العمل، على قصة تدور جلّها في مكان واحد مغلق. وإقناع ممثل مشهور كخالد أبو النجا بأن يقوم بهذا الدور هو عمل جيّد، لأن القصة تجنبت بذلك السقوط في مطبات الملل الناتج عن انعدام التنويع المكاني. حضور خالد يشغل الجزء الأكبر من عمل الكاميرا والسردية الفيلمية. وحتى حضور باقي الشخصيات بدا مستنداً إلى وجوده.

هنا، لا بد أيضاً من ذكر الفنانة لبلبة التي قدمت للقصة بريقاً بحضورها، إذ إن أداءها للحوارات والخلافات مع أبو النجا ساعد في خلق جو التوتر الذي تطلبته الأحداث. الأمر نفسه ينطبق على الممثلة أروى جودة.

غير أن نص الفيلم لم يفلح في الكشف عن دواخل حسين؛ إذ لم تطلعنا القصة على خلفيات أو نتائج علاقته مع العالم. هناك فقط إشارات متقطعة لا تكفي لتقنع المشاهد بحبّ شخصية حسين أو كرهها، وبالتالي، أخذ موقف جمالي محدد من العمل عموماً. يضاف إلى ذلك أن كل شخصيات العمل بدت تائهة وكأنها تبحث عن شيء غير محدد، رغم أن هذه السمات من المفترض أن ترتبط بشخصية حسين وحدها.

يمكن القول إن تأثير التقشّف الإنتاجي بدا جلياً في الفيلم. لولا ذلك، لكان العمل، ربما، أكثر جودة وإقناعاً، خصوصاً وأن الشريط يجمع بين وجهي السينما التجارية والمستقلة. ولربما كان السخاء في إنتاجه ليعبر به إلى مستوى فني أبعد.

المساهمون