حظي، النوري بوزيد، عميد المخرجين التونسيين، بشرف افتتاح الدورة الثلاثين لـ"أيام قرطاج السينمائية"، من خلال عرض فيلمه "عرايس الخوف" في السهرة الافتتاحية. الفيلم الذي دام 96 دقيقة، يروي حكاية فتاتين تونسيتين، عادتا من الحرب في سورية، بعد تجربة مع تنظيم "داعش" الإرهابي، وتحاولان الاندماج مُجدداً في النسيج الاجتماعي التونسي بعد هذه الرحلة.
أحداثُ الفيلم حصلَت سنة 2013، أي في فترة حكم "حركة النهضة التونسية" ذات التوجه الإسلامي. وتأكيد تاريخ أحداث الفيلم، ليس من باب الاعتباط، لأن المخرج النوري بوزيد، أراد من خلال فيلمه، القيام بقراءة خاصة لهذه الفترة، وهو صاحب فكرة الفيلم وكاتب السيناريو.
والفكرة في ظاهرها جيدة، وتطرح موضوعاً حارقاً لدى التونسيين، حول هجرة العديد من التونسيين والتونسيات للقتال في صفوف تنظيم "داعش" الإرهابي، الأمر الذي شغل بال الكثير من التونسيين، من باحثين وسياسيين ومفكرين. لكن بوزيد أراد أن يقرأ ما حصل من خلال الكاميرا التي تحرَّكت بشكل سريع، طيلة الثلاثين دقيقة الأولى من الفيلم، بشكل يصيب المشاهد بالدوران. قد يكون المخرج تعمد ذلك للتعبير عن حالة القلق التى تسكن بطلتي الفيلم "دجو" و"زينة"، بعد تجربة مريرة فى سورية، تجربة خلفت لـ"زينة" ولادة طفلٍ، أنتزِع منها بالقوة. أمّا "دجو"، فعادت بطفل آخر بين أحشائها، لتصبح المأساة مُضاعفة للبطلتين.
يحاول النوري بوزيد، انطلاقاً من شخصية المحاميّة، أن يبحث في مواضيع شبكات التسفير في تونس. لكنَّه لم يتعمق في هذه المواضيع، بل حاول ملامستها بشكلٍ جعله يسقطُ فى المباشراتيّة، وإصدار الأحكام الإطلاقيّة، واتّهام خصم سياسي بالتسبب بكل هذه المآسي، طبعًا دون أي برهان سياسي أو واقعي منطقي.
الفيلم لم ينجح في التناول الفني لقضية معقدة، وأصبح بمثابة الطرح السياسي الآحادي لوجهة نظر المخرج المعروف بعدائه للتيارات الدينية. وهو الأمر الذي يلاحظه كل مشاهد، دون أي مجهود يذكر. فالاتهامات توجه مباشرة لهذا الطرف، بشكل لا يترك للمشاهد أي مجالٍ للبحث والتخمين. وهو ما أفقد الفيلم بعده الفني، وحوَّله لخطاب سياسي موجه. كما أن السيناريو جاء ضعيفاً، إذْ ثمّة فجوات غير مفهومة في حركة الأحداث، غاب عنها التناسق الجمالي الذي يجعل المشاهد يستبطن ما يريد المخرج إيصاله، بشكل فني من خلال الصورة المعبرة والموسيقى التي تخدم الموضوع.
لم يكن الفيلم في مستوى حدث افتتاح أعرق المهرجانات السينمائية العربية والإفريقية، وكان بمثابة محاكمة أيديولوجية لطرف سياسي معروف، دون اعتماد صيغ فنية وجمالية تمنح الطرح المشروعية والمقبولية، بل سقط في المباشراتية القاتلة للعمل الفني عادةً.
ثلاث عشرة سنة من الغياب للمخرج، النوري بوزيد، لم تكن كافية ليعود بعمل فني متكامل، مثلما عودنا في أفلامه السابقة، بل عاد بسردية ضعيفة لأحداث عاشها المجتمع التونسي ما بعد الثورة، دون أن يتعمق فيه بطريقة فنيَّة. الفيلم من بطولة نور حجري وعفاف بن محمود وجمان ليمام ومهدي حجري وسندس بلحسن وفاطمة بن سعيدان ونعمان حمدة.