لعلّ ما لا يعلمه كثيرون أن مباراة الدربي بين "النادي الأفريقي" و"الترجي الرياضي التونسي" هي التي يعوّل تونسيون كثيرون في حياتهم الرياضية عليها. يوم المباراة تكاد شوارع تونس العاصمة تخلو من المارة لأن الجميع متسمّرون أمام الشاشات الصغيرة أو موجودون في الملعب بانتظار المباراة.
غير أن فيلم "اشتباك" للمصري محمد دياب أحدث شرخاً في هذه القاعدة. فالفيلم المُشارك في الدورة الـ27 لـ"أيام قرطاج السينمائية"، عُرض يوم مباراة الدربي، في التوقيت نفسه تقريباً.
كان بعضهم يخشى عدم الاهتمام به رغم ما سبقته من أخبار. وحمّل بعض آخر اللجنة المنظمة للمهرجان خطأ اختيار توقيت عرضه. لكن ما حصل هو عكس المتوّقع، إذْ اصطفت طوابير كبيرة أمام صالة العرض إلى درجة أن الدخول إليها أصبح بمثابة مغامرة غير مأمونة العواقب، نتيجة التدافع والصيحات العالية هنا وهناك. حتى إن إحدى الساعيات إلى مشاهدته قالت ممازحة: "بدأ الاشتباك أمام قاعة العرض قبل مشاهدة الفيلم".
بعد جهد "ماراثوني" وجمع أشلاء الذات المتناثرة هنا وهناك نتيجة الازدحام الشديد والتدافع الكبير تمكّن المحظوظون من الحصول على مقعد داخل الصالة ومشاهدة الفيلم بحضور منتجه محمد حفظي، وطارق عبد العزيز، أحد الممثلين فيه.
ويُجسِّد الفيلم حالة المأساة المصرية التي تتحوّل فيها أبسط الأمنيات إلى أعظم المطالب كالحقّ في قضاء حاجة بشرية لفتاة وجدت نفسها مع سيل من البشر داخل "عربة ترحيلات" لا تتسع لهذا الكَمّ الخانق منهم.
حالة من العبث والألم جعلت كثيرين ممن شاهدوا الفيلم لا يستطيعون حبس دمعة أبت إلا أن تسيل، أمام رعب اللحظة الخانقة، والتي تحوّلت فيها الإنسانية إلى أشلاءٍ تتراقص حولها ذئاب مستعرة تنشد السلطة، حتى وإن كانت الطريق إليها مليئة بالجثث المنتشرة على إسفلت القاهرة.
أحدث الفيلم صدمة لدى مشاهديه وأمام صُور الناس المجموعين في مكان ضيّق (عربة الترحيلات). وهذا ربما يكون تعبيراً عن حالة الضيق والاختناق، التي يعيشها المواطنون المصريون، بمشاربهم الفكرية المختلفة، وبانتماءاتهم الطبقية المتنوّعة.
وقالت الإعلامية التونسية آمال الشاهد لـ"العربي الجديد" إنه: "رائع فنيا وجماليا ومرعب من حيث الموضوع الذي صوّر حالة المواطن المصري في يوم من أيام مصر ما بعد الثورة".
كما أحدث الفيلم ضجة إيجابية في تونس، دفعت إدارة الـ"أيام" إلى تخصيص عرضٍ ثانٍ به، خصوصاً أن كثيرين عبروا عن غضبهم لعدم تمكنهم من مشاهدته.