فيضانات السودان

09 اغسطس 2016
+ الخط -
من المعلوم لخبراء الطقس والمختصين في مجال الأرصاد أنّ السودان يقع ضمن نطاق المناطق المطيرة، إذ تشهد غالبية ولاياته هطول أمطار غزيرة خلال فصل الصيف، خصوصاً في الفترة من شهر يوليو/تموز، وحتى سبتمبر/ أيلول من كل عام.
هذا العام، كانت هيئة الأرصاد الجوية قد تنبّأت منذ وقت مبكر، بأنها تتوقع معدلات عالية من الأمطار للموسم، ودعت الأجهزة المعنية إلى وضع الترتيبات اللازمة، واتخاذ الاحتياطات لتلافي الآثار السالبة، والكوارث المتوقعة جرّاء هطول الأمطار والفيضانات.
بالفعل صدقت تنبؤات الأرصاد، وتصدّرت المشاهد المأساوية نشرات الأخبار في وسائل الإعلام العالمية التي عكست فداحة الكارثة، وما سبّبته من خسائر جسيمة في الأرواح، بلغت (76) شخصاً "حتى الآن"، حسب تصريح لوزير الداخلية عصمت عبد الرحمن، مع العلم أننا لا نزال في بداية الموسم حيث من المتوقع أن يستمر هطول الأمطار حتى نهاية شهر سبتمبر/ أيلول، وعليه نخشى أن تزداد المناظر المحزنة التي تعكس تدمير المنازل وتشريد الآلاف من المواطنين، وانهيار وتعطل الطرق القومية، وبالتالي تعطل الإنتاج "على قلته"، حيث إن ولاية كسلا شرقي السودان هي الأكثر تضرّراً حتى الآن، فقد انهارت بمحلية همشكوريب التابعة لها مئات المنازل، وغمرت المياه آلاف الكيلومترات من الأراضي، مما ينذر بكارثة صحية وبيئية وشيكة جراء توالد البعوض والحشرات.
كما أنّ ولاية كسلا لا تزال مهددة بفيضان نهر القاش، المعروف بالنهر المتمرد لشدة جريانه واندفاعه في فصل الخريف، ونستحضر بالذاكرة أنّ "القاش" شرّد فى العام 2003 حوالي 70 ألف أسرة، وعزلت مياه الأمطار العديد من القرى وتعطلت شبكات الكهرباء، وقطعت السيول الطريق السريع الذي يربط الخرطوم بموانئ البحر الأحمر (بورتسودان)..
بكل أسف، لم تستفد السلطات في السودان من دروس الماضي، ولا من تحذيرات الأجهزة المختصة المبكرة، فلم تقم باتباع السياسات واتخاذ الإجراءات التي تحول دون تكرار هذه المحنة وتجنب نتائجها الكارثية، وبان من الأيام الأولى فشل الجهات الولائية والمركزية بامتياز في اجتياز هذا الامتحان، بسبب غياب الرؤية والتخطيط السليم، وعدم إعداد الدراسات اللازمة لمواجهة تلك الأخطار. والافتقار إلى الحد الأدنى من القدرات الوقائية، ووضع برامج التوعية المجتمعية، والخطط الإسعافية في الاجلاء والإيواء والإغاثة.
أمر آخر يُخشى من تبعاته الخطيرة، وهو إعلان إدارة الدفاع المدني أنّ مناسيب نهر النيل ورافديه النيل الأزرق والنيل الأبيض قد تجاوزت ما كانت عليه في 1988 الذي شهد أكبر كارثة طبيعية وإنسانية في تاريخ السودان الحديث، حيث استوجبت تدخلاً دولياً لدرء آثار السيول والفيضانات التي اجتاحت العاصمة، وجميع مدن البلاد تقريباً.. في ذلك الوقت استجابت المنظمات والدول الشقيقة والصديقة بشكل سريع لنداء حكومة الأحزاب التي كانت شفافة وواضحة، فلم تقلّل من حقيقة الوضع، وصرّحت إنّ الأزمة كبيرة، وتفوق إمكاناتها، فهل، يا ترى، ستسارع تلك الدول إلى تقديم الدعم للمتضرّريين الآن، إذا تفاقم الأمر "لا سمح الله"؟
على الرغم من الآثار السالبة لهطول الأمطار الغزيرة والفيضانات، إلا أنها أفضل بكثير من موجات الجفاف والتصحر التي تضرب مناطق عديدة عالمياً، لكن مثل هذه الأزمات تحتاج إلى رؤيةٍ استراتيجية، وتخطيط سليم يكون هدفه الاستفادة من الكميات الهائلة لمياه الأمطار والفيضانات، وتوجيهها نحو الزراعة والإنتاج، خصوصاً في المناطق التي لا تصل إليها مياه النيل وروافده في الظروف الاعتيادية.
الفيضانات والأمطار نعمة، ينبغي أن نحسن التعامل معها باتخاذ الاحتياطات وترويض الأنهار الموسمية كنهر القاش وعطبرة وسيتيت والرهد، كما أنّ على الجهات المعنية إعداد دراسة جدوى لإنشاء خزانات وسدود، تكفي البلاد شرور الكوارث والأزمات، وفي الوقت نفسه، تساعدنا على استغلال مياهها الوفيرة في وقت الشدة والجفاف.

71F29908-DD1C-4C71-A77C-041E103F4213
71F29908-DD1C-4C71-A77C-041E103F4213
محمد مصطفى جامع
كاتب سوداني.
محمد مصطفى جامع