01 أكتوبر 2018
فهم سياسة ترامب
"فهم ترامب"، هو عنوان كتاب صدر أخيرا في أميركا من تأليف نيوت غينغرتش الذي كان عضوا في حملة ترامب الرئاسية، والمقرّب من أوساط المحافظين الجدد في أميركا.
يحاول الكاتب أن يدافع عن رئيسه، ويصفه بالشخصية المتميزة الفريدة في التاريخ الأميركي الحديث، زاعما أنّ الجدل المثار حوله ليس إلا نتيجة لسوء الفهم الواقع بين الشخصية الترامبية ومحيط سياسي اعتاد على تقاليد محدّدة في التعاطي مع السياسة بأبعادها المختلفة، والموسومة إجمالا بما يعرف بالكياسة السياسية واللباقة الاجتماعية.
لادعاء غيغرتش ما يبرّره داخلياً، لأن أسلوب ترامب جعله عرضة لمواقف كثيرة مسبقة في نظر الرأي العام الأميركي، خصوصا الشريحة الكبيرة المتأثرة بوسائل الإعلام التقليدية، مثل الشبكات الإخبارية والصحف الكبرى، فضلا على أنّ الأمور تزداد سوءا بالنسبة له، عندما يثار الحديث عن العلاقة المحتملة بين حملته الانتخابية وروسيا.
مع ذلك، ليس القول بنظرية سوء الفهم توصيفا دقيقا لكل ثنايا المشهد، فهناك قدر كبير من التوتر، يعود إلى صراع قاعدي بين الأسلوب الشعبوي الفرداني القائم على الولاء وسطوة طبقة المستشارين غير المتخصصين أحيانا، بين ما يمثله ترامب والفريق المحيط به من جهة، والأسلوب المؤسسي الذي تمثله مراكز صناعة القرار في واشنطن من جهة أخرى، وتحديدا منظومة الاستعلامات بأجهزتها المختلفة. وعلما أنّ كل الأنظمة في العالم قد تصاب بهذا النوع من الانقسام، غير أنّ بروزه في بلد مثل الولايات المتحدة قد يعطي انطباعاً مباشراً أنّ الخصوصية الترامبية تسبّبت به، من دون الانتباه إلى عوامل أخرى مثل اللحظة الجيوسياسية العالمية وديناميات المنظومة الحاكمة نفسها.
ذلك الحال في الداخل. أما خارجيا فنستطيع القول إن ترامب متفرد فعلاً، لأنه، على عكس معظم الرؤساء السابقين، لا يحاول توسيع مداركه بشأن الأوضاع الدولية، ولا يبدو متحمّسا لتبني سياسة خارجية قائمة على أسس علمية واستراتيجية، لأنه يقول إنّ أولوياته داخلية، ويطمح لأن تكون سياسته الخارجية انعكاسا لرؤيته الداخلية المشبعة بالتوجهات الشعبوية. لكنه لا يستطيع تطبيق هذا المسعى، بوجود مؤسسات قوية، ترعى قواعد السياسة الخارجية الأميركية. وبين الاتجاهين، تبرز إلى العلن سياسة هجينة تحافظ على كثير من الوصفات القديمة، مع إجراء تعديلات في الشكل، بما يتناغم مع معطيات اللمسة الترامبية. ومنه أعاد الرئيس الجديد تقديم سياسات سلفه أوباما الانكفائية بقالب آخر، حيث يتجلّى الاعتماد على الشراكات المربحة ماديا لحفظ الاستقرار وتسيير مصالح أميركا، بدلا من الشراكات القيمية والمعنوية المتمحورة حول دعم الديموقراطية والحكم الراشد وحفظ التوازن بين المجموعات المتنازعة في أكثر مناطق العالم توترا، مثل الشرق الأوسط.
هدف ترامب هو إبقاء أميركا بعيدا عن الالتزامات الأخلاقية التي يراها بنظرة المقاول البحتة تستنزف الموارد بشكل غير مبرّر، مع استثناء الحد الأدنى الذي يحفظ لها هيبتها وسمعتها. وفي هذه النقطة بالتحديد، قد لا يتوانى ترامب عن استخدام القوة بانفعال، وبشكل غير منظم للإبقاء على الردع المناسب لتجنب التورط طويل الأمد في مستنقع المشكلات في العالم.
وليبدو العهد جمهوريا، وجد ترامب في أصدقاء حزبه التقليديين في أكثر من مكان، ومنه الشرق الأوسط، أفضل سند لتنفيذ أجندته، إذ يبيع الخطابات القوية بالعقود السخية، محاولاً ضم كل الفضاء الشرق الأوسطي إلى مخططه، فيصطدم بواقعين، واحد يفرضه الداخل من خلال المؤسسات وآخر خارجي مغاير للرؤية الأولية المبسطة عند رئيسٍ لا يمتلك الاستعداد الكافي للاهتمام بتعقيدات المنطقة وتاريخها، أو حتى تفاصيل المصلحة الأميركية مع دولها.
إنه رهان أن تأتي من بيئة غير سياسية لتمارس السياسة من دون أن تلتزم ببعض مبادئها، وتريد في النهاية أن تحصل على النجاح المطلوب، على الرغم من المقاومة الموضوعية المتشكلة.
بهذه الجملة، يمكن أن نختصر السياسة الترامبية.
يحاول الكاتب أن يدافع عن رئيسه، ويصفه بالشخصية المتميزة الفريدة في التاريخ الأميركي الحديث، زاعما أنّ الجدل المثار حوله ليس إلا نتيجة لسوء الفهم الواقع بين الشخصية الترامبية ومحيط سياسي اعتاد على تقاليد محدّدة في التعاطي مع السياسة بأبعادها المختلفة، والموسومة إجمالا بما يعرف بالكياسة السياسية واللباقة الاجتماعية.
لادعاء غيغرتش ما يبرّره داخلياً، لأن أسلوب ترامب جعله عرضة لمواقف كثيرة مسبقة في نظر الرأي العام الأميركي، خصوصا الشريحة الكبيرة المتأثرة بوسائل الإعلام التقليدية، مثل الشبكات الإخبارية والصحف الكبرى، فضلا على أنّ الأمور تزداد سوءا بالنسبة له، عندما يثار الحديث عن العلاقة المحتملة بين حملته الانتخابية وروسيا.
مع ذلك، ليس القول بنظرية سوء الفهم توصيفا دقيقا لكل ثنايا المشهد، فهناك قدر كبير من التوتر، يعود إلى صراع قاعدي بين الأسلوب الشعبوي الفرداني القائم على الولاء وسطوة طبقة المستشارين غير المتخصصين أحيانا، بين ما يمثله ترامب والفريق المحيط به من جهة، والأسلوب المؤسسي الذي تمثله مراكز صناعة القرار في واشنطن من جهة أخرى، وتحديدا منظومة الاستعلامات بأجهزتها المختلفة. وعلما أنّ كل الأنظمة في العالم قد تصاب بهذا النوع من الانقسام، غير أنّ بروزه في بلد مثل الولايات المتحدة قد يعطي انطباعاً مباشراً أنّ الخصوصية الترامبية تسبّبت به، من دون الانتباه إلى عوامل أخرى مثل اللحظة الجيوسياسية العالمية وديناميات المنظومة الحاكمة نفسها.
ذلك الحال في الداخل. أما خارجيا فنستطيع القول إن ترامب متفرد فعلاً، لأنه، على عكس معظم الرؤساء السابقين، لا يحاول توسيع مداركه بشأن الأوضاع الدولية، ولا يبدو متحمّسا لتبني سياسة خارجية قائمة على أسس علمية واستراتيجية، لأنه يقول إنّ أولوياته داخلية، ويطمح لأن تكون سياسته الخارجية انعكاسا لرؤيته الداخلية المشبعة بالتوجهات الشعبوية. لكنه لا يستطيع تطبيق هذا المسعى، بوجود مؤسسات قوية، ترعى قواعد السياسة الخارجية الأميركية. وبين الاتجاهين، تبرز إلى العلن سياسة هجينة تحافظ على كثير من الوصفات القديمة، مع إجراء تعديلات في الشكل، بما يتناغم مع معطيات اللمسة الترامبية. ومنه أعاد الرئيس الجديد تقديم سياسات سلفه أوباما الانكفائية بقالب آخر، حيث يتجلّى الاعتماد على الشراكات المربحة ماديا لحفظ الاستقرار وتسيير مصالح أميركا، بدلا من الشراكات القيمية والمعنوية المتمحورة حول دعم الديموقراطية والحكم الراشد وحفظ التوازن بين المجموعات المتنازعة في أكثر مناطق العالم توترا، مثل الشرق الأوسط.
هدف ترامب هو إبقاء أميركا بعيدا عن الالتزامات الأخلاقية التي يراها بنظرة المقاول البحتة تستنزف الموارد بشكل غير مبرّر، مع استثناء الحد الأدنى الذي يحفظ لها هيبتها وسمعتها. وفي هذه النقطة بالتحديد، قد لا يتوانى ترامب عن استخدام القوة بانفعال، وبشكل غير منظم للإبقاء على الردع المناسب لتجنب التورط طويل الأمد في مستنقع المشكلات في العالم.
وليبدو العهد جمهوريا، وجد ترامب في أصدقاء حزبه التقليديين في أكثر من مكان، ومنه الشرق الأوسط، أفضل سند لتنفيذ أجندته، إذ يبيع الخطابات القوية بالعقود السخية، محاولاً ضم كل الفضاء الشرق الأوسطي إلى مخططه، فيصطدم بواقعين، واحد يفرضه الداخل من خلال المؤسسات وآخر خارجي مغاير للرؤية الأولية المبسطة عند رئيسٍ لا يمتلك الاستعداد الكافي للاهتمام بتعقيدات المنطقة وتاريخها، أو حتى تفاصيل المصلحة الأميركية مع دولها.
إنه رهان أن تأتي من بيئة غير سياسية لتمارس السياسة من دون أن تلتزم ببعض مبادئها، وتريد في النهاية أن تحصل على النجاح المطلوب، على الرغم من المقاومة الموضوعية المتشكلة.
بهذه الجملة، يمكن أن نختصر السياسة الترامبية.
مقالات أخرى
22 يوليو 2018
03 ديسمبر 2017
27 يونيو 2017