المأزق الحقيقي يكمن في كيف جسّد الفن التشكيلي الثورة من جانبَي الشكل والرؤية، وهل استطاعت الثورة أن تجلب ثورة في التعبير التشكيلي عن تلك اللحظات الفريدة، أبعد من رسم حشود يهتفون وأعلام ولافتات تندّد بإسقاط النظام؟
ما هو الحال إزاء اللوحات، التي غيّر فنانوها مواقفهم بعد الثورة، وإن لم يعترفوا بأن رسم بورتريه للسيسي هو عين التأييد للثورة المضادّة، مثلما كان الحال مع جورج البهجوري، الذي رسم لوحة حول "موقعة الجمل" تستحق الوقوف عندها، ورسم بورتريه للسيسي في وقت لاحق.
ثمّة عدد من الفنانين التشكيليين الذين حاولوا "التأريخ" لثورة 25 يناير؛ أبرزهم محمد عبلة وطه قرني ورضا عبد الرحمن وجورج البهجوري، وهي الحالة التأريخية التى رفض البعض الآخر الانسياق إليها، باعتبار أن هدف الفن ليس تأريخياً بالضرورة، وأن ثورة 25 يناير لم تكتمل بعد، مثل عادل السيوي وصلاح عناني، لتكون حال الحركة التشكيلية المصرية حيال 25 يناير: فنانين أرّخوا وتباعدت بكثير منهم السبل عن الثورة، وفنانين تباعدوا عن التأريخ وانشغلوا بالفعل الثوري، وآخرين ينتظرون تجسيد اللحظة التي لم تأت بعد.
على مستوى الثورة الحقيقية في الفن التشكيلي، والتي ارتبطت طردياً بثورة يناير، كان الغرافيتي وتعشيق الفوتوغرافيا بالفن التشكيلي أكثر المناطق نبضاً وتجديداً. استطاع الغرافيتي في مصر أن يقف لبعض الوقت في حلق الثورة المضادة، وإرباك النظام حيال هذا التأثير الذي يحدثه، من خلال إبقاء الثورة حاضرة في النفوس، والتنديد بالانتهاكات التي تحاول تقويض المطالب الشعبية، حتى أصبحت عقوبة رسم الغرافيتي في مصر السجن أربع سنوات، فضلاً عن ملاحقة الكتاب التوثيقي لغرافيتي الثورة "جدران الحرية" بحجة التحريض ضد الجيش والشرطة.
الغرافيتي بطبعه فن مُعارض وملاصِق للانتفاضات، لذا قد لا يرى البعض وجهاً للمقارنة بين التأثير والرؤية التي يطرحها والتأثير والرؤيا التي تطرحها اللوحات بقاعات العرض المغلقة، باعتبار أن الثانية غير مطالبة بتحريك الجمهور تجاه أي مطلب سياسي، لكن لا يمكن إنكار الزخم الذي طرحه الغرافيتي في تناول كثير من القضايا بجمالية وتجديد ملموسَين، كالجداريات الضخمة، التي استدعت التاريخ وخلقت تحاوراً بين حقبه المختلفة، لترأب صورة مشروخة ومعتمة، مثل تجارب عمار أبو بكر، وملكة جمال الأزاريطة، وجنزير وغيرهم. وهي التجارب الجديدة في فن الغرافيتي المصري، الذي لم يقتصر على رسم بورتريهات للمعتقلين والشهداء، بل جسّد بانوراما حية وجمالية منفتحة على التاريخ والتناقضات والتراث الشعبي.
على مستوى الصورة، كانت هناك تجارب جديدة في مزج الفوتوغرافيا بالفن التشكيلي، مثل تجربة هبة خليفة، والتي استطاعت الاحتفاظ بالصور الحيّة لميدان التحرير، في لحظات لا يمكن الاستعاضة عنها بالرسم، مع خلق زاوية مرسومة موازية أحياناً وممتزجة أحياناً أخرى بالصورة الفوتوغرافية، ربما لتستكمل معنى أو تبرزه وتؤكّد عليه.
اقرأ أيضاً: محمد عبلة..عودة الفنان إلى مرسمه