وسط التغريبة العربية اليوم، ومن دون تشاؤم، نقول إنّ القضية والشعب الفلسطينيَّين يدفعان الثمن الأفدح، ليس على الصعيد العربي بل على المستوى الدولي أيضاً. المؤكد أنّ إسرائيل تفيد من خروج هذه القضية من أجندات الدول العربية والعالم لتضاعف من ضغوطها على الشعب الفلسطيني في الداخل. ضغوط تتخذ أشكالاً شتى تتراوح ما بين التهويد للدولة والأرض، ورفع وتيرة الاستيطان، وتهديد الأماكن الدينية الإسلامية والمسيحية، وممارسة أحكام الإعدام الميدانية، وتوسيع السجون، ومصادرة الأراضي وغيرها. ولا تستفيد إسرائيل في كلّ هذا من تراجع وزن العاملَين العربي والدولي في مسألة الصراع العربي - الإسرائيلي، فالانقسام الفلسطيني بين حركتَي فتح وحماس هو الهدية الأثمن لسياستها العدوانية.
لكنّ الكارثة الكبرى تتمثل في ما يعانيه الفلسطينيون في "دول الطوق" أي لبنان وسورية والأردن. فالمعروف أنّ مصير اللاجئين في سورية هو في مهب الريح، وإن كان المعروف أنّ عشرات الألوف منهم زحفوا نحو تركيا ومنها نحو أوروبا. هذا عدا عن الذين قصدوا لبنان والأردن. من الصعب الحديث عن كتلة فلسطينية تتمتع بحقوق كتلك التي كانت تتمتع بها قبل انفجار الوضع.
في لبنان، انخفض عدد الفلسطينيين من نحو نصف مليون لاجئ أو أكثر، إلى نصف العدد تقريباً، بحسب إحصاءات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) ووزارة الداخلية اللبنانية. آخر إحصاء أجرته الجامعة الأميركية والوكالة أظهر أنّ العدد الفعلي هو ما بين 240 ألفاً و280 ألف نسمة. بالطبع، المغادرون هم من الفئات العمرية الشابة. بعض المخيّمات باتت مجرّد مآوٍ للعجائز من الرجال والنساء. ما يعني أنّ هؤلاء الشباب المهاجرين سيندمجون إن عاجلاً أو آجلاً في مجتمعات غربية، وسيبتعدون بالتالي عن محور قضيتهم. تكتمل الصورة لدى النظر الى أحوال الباقين في المنطقة القريبة من فلسطين، حيث يتحوّل الفلسطيني الى مشروع مهاجر عندما تتوفّر له الظروف مهما بلغت درجة خطورة السفر.
الأخطر من ذلك هو تراجع دور القضية الفلسطينية ووزنها في الوعي العربي الذي انحدر من اعتبارها قضية العرب المركزية الأولى إلى التفكير الطائفي والمذهبي عدا عن العشائري والقبلي والجهوي. لم تعد المشاركة مع الفلسطينيين في دعم صمودهم وصراعهم مطروحة على جدول الأعمال. تُرك الفلسطينيون يقلعون أشواكهم بأيديهم، بدليل غياب الأنشطة الإعلامية والثقافية عن جداول الأعمال في معظم الدول العربية.
التغريبة العربية أشدّ وطأة وثقلاً على هذا الشعب الذي يتوزع بين حصار الاحتلال وقوارب اللجوء وأشرعة الأمل التي لا تجري فيها الرياح بما تشتهي السفن.
*أستاذ جامعي
اقــرأ أيضاً
لكنّ الكارثة الكبرى تتمثل في ما يعانيه الفلسطينيون في "دول الطوق" أي لبنان وسورية والأردن. فالمعروف أنّ مصير اللاجئين في سورية هو في مهب الريح، وإن كان المعروف أنّ عشرات الألوف منهم زحفوا نحو تركيا ومنها نحو أوروبا. هذا عدا عن الذين قصدوا لبنان والأردن. من الصعب الحديث عن كتلة فلسطينية تتمتع بحقوق كتلك التي كانت تتمتع بها قبل انفجار الوضع.
في لبنان، انخفض عدد الفلسطينيين من نحو نصف مليون لاجئ أو أكثر، إلى نصف العدد تقريباً، بحسب إحصاءات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) ووزارة الداخلية اللبنانية. آخر إحصاء أجرته الجامعة الأميركية والوكالة أظهر أنّ العدد الفعلي هو ما بين 240 ألفاً و280 ألف نسمة. بالطبع، المغادرون هم من الفئات العمرية الشابة. بعض المخيّمات باتت مجرّد مآوٍ للعجائز من الرجال والنساء. ما يعني أنّ هؤلاء الشباب المهاجرين سيندمجون إن عاجلاً أو آجلاً في مجتمعات غربية، وسيبتعدون بالتالي عن محور قضيتهم. تكتمل الصورة لدى النظر الى أحوال الباقين في المنطقة القريبة من فلسطين، حيث يتحوّل الفلسطيني الى مشروع مهاجر عندما تتوفّر له الظروف مهما بلغت درجة خطورة السفر.
الأخطر من ذلك هو تراجع دور القضية الفلسطينية ووزنها في الوعي العربي الذي انحدر من اعتبارها قضية العرب المركزية الأولى إلى التفكير الطائفي والمذهبي عدا عن العشائري والقبلي والجهوي. لم تعد المشاركة مع الفلسطينيين في دعم صمودهم وصراعهم مطروحة على جدول الأعمال. تُرك الفلسطينيون يقلعون أشواكهم بأيديهم، بدليل غياب الأنشطة الإعلامية والثقافية عن جداول الأعمال في معظم الدول العربية.
التغريبة العربية أشدّ وطأة وثقلاً على هذا الشعب الذي يتوزع بين حصار الاحتلال وقوارب اللجوء وأشرعة الأمل التي لا تجري فيها الرياح بما تشتهي السفن.
*أستاذ جامعي