فلسطين والثقافة الروسيّة

28 مارس 2015
الناصرة في الثلاثينيات
+ الخط -

مصطلح "فلسطين الروسية"، هو العنوان الجديد لعملية بدأتها الكنيسة الأرثوذكسية باستعادة أملاكها في فلسطين المحتلة. إلا أن هذا العنوان يشير إلى ما هو أعمق؛ إلى العلاقات الثقافية التي نشأت بين الفضاءين الروسي والفلسطيني بين العامين 1882 و1914، تحت رعاية الجمعية الإمبراطورية الروسية/ الفلسطينية.

علاقات كان لها أثر بالغ في الاتجاهين؛ في فتح آفاق عوالم جديدة أمام الإنسان العربي عبر ترجمات قادها أدباء ومثقفون فلسطينيون لعشرات الكتب الأدبية والفكرية الروسية إلى العربية (تولستوي وبوشكين.. وغيرهما)، وفي تعريف المجتمع الروسي، والسوفييتي لاحقاً، بالحضارة العربية وآثارها وآدابها وتاريخها، سواء بوساطة آساتذة فلسطينيين انتقلوا للدارسة في روسيا وكانت لهم مكانة مؤثرة، أو بوساطة الكثير من الروس الذين دوّنوا معلومات ورسموا صوراً عن فلسطين أصبحت مصدراً من مصادر المعرفة.

هذه صفحات تكاد تكون مجهولة، إن لم يكن الجهل بها متعمّداً، نظراً لما يعنيه إحياء ذكراها من تأكيد على حيوية المجتمع الفلسطيني قبل الاجتياح العسكري البريطاني فالصهيوني، والرد على مزاعم الاستشراق التي شوّهت تاريخه، وألصقت به تهمة التخلّف في وقت كان يساهم مساهمة فعالة في تنوير محيطه العربي.

ولعل إغفال جهود د. بندلي صليبا الجوزي (1871 ـ 1942)، ابن القدس، الفكرية في الكشف عن تهافت مناهج البحث الغربية، ومناهج المستشرقين خصوصاً، أحد الأمثلة البارزة، خاصةً في ضوء قطع الخيط الذي يربط بينها وبين جهود إدوارد سعيد (1935 ـ 2003)، الذي عمّق كشوفات الجوزي المبكرة.

في السنوات التي سبقت الحرب العالمية الأولى، نشطت حركة تبادل ثقافي بين فلسطين وروسيا، وهي حركة امتدت إلى سورية ولبنان أيضاً، وبحلول العام 1914 كانت الجمعية الإمبراطورية الروسية/ الفلسطينية قد فتحت أكثر من 100 مدرسة تعلّم فيها أكثر من 10 آلاف تلميذ. وأهم مدارسها كانت تلك التي تُعنى بإعداد المدرّسين والمدرّسات، واحدة للمدرسين في الناصرة والثانية للمدرسات في بيت جالا.

على أن الصفة المميّزة لهذا النشاط التعليمي الروسي أنه اختلف اختلافاً تاماً عن النشاط التعليمي الاستعماري الغربي الذي دأب في أي مكان حل فيه على محو لغات وثقافات الشعوب بعد إخضاعها بالحديد والنار؛ لقد وجّه التعليم الروسي جهده نحو خدمة اللغة العربية وتعليمها، إضافة إلى اللغات الأخرى، بما فيها الروسية، ولم يعمل على تشكيل فلسطينيين يشبهون الروس، بل احترموا هويتهم الوطنية.

ومَن يَعُد إلى تلك الصفحات، سيعرف صحة هذه الملحوظة، ويتتبع وجهة خريجي هذه المدارس إلى موسكو، العاصمة التي احتضنت باحثين بارزين، أكثرهم شهرة ابنة الناصرة، البروفيسورة كلثوم عودة فاسيليفا (1892 ـ 1965)، التي حازت على لقب "أم المستعربين الروس" لممارستها التعليم في الجامعات والمعاهد الروسية، وتأليف كتب تعليم العربية وتقديم المختارات الأدبية لطلبتها.

المساهمون