فلسطين في صلب برامج الانتخابات البريطانية

30 ابريل 2015
حزب العمال يتراجع في مواقفه بشأن فلسطين (getty)
+ الخط -

تحضر فلسطين، وقضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بشكل لافت في البرامج الانتخابية للأحزاب البريطانية المتنافسة للفوز بأكبر عدد من مقاعد مجلس العموم في الانتخابات العامة المقررة في السابع من مايو/أيار المقبل.
ورغم اشتداد الجدل بين الأحزاب والمرشحين حول ملفات الهجرة، والعلاقة مع الاتحاد الأوروبي، ومستقبل الخدمات الصحية العمومية والتعليم، وغيرها من أسئلة ملحّة مرتبطة بقضايا داخلية اقتصادية واجتماعية وسياسية، تكاد القضية الفلسطينية تكون المسألة الخارجية الوحيدة التي حضرت بقوة في كل البرامج السياسية للأحزاب المتنافسة.
ولئن كانت مواقف هذه الأحزاب تتفاوت لجهة تأييد المطالب الفلسطينية، أو لجهة تأييد الموقف الإسرائيلي، إلا أنها في الإجمال تتوافق على دعم التسوية السياسية القائمة على أساس حل الدولتين.

اقرأ أيضاً بريطانيا: سيناريوهات ما بعد الانتخابات

ويعتبر حزب "العمال"، أكثر الأحزاب الرئيسية المتنافسة على مقاعد مجلس العموم الـ 650، ميلاً لصالح الموقف الفلسطيني، خصوصاً بعدما وجّه رئيس الحزب، إيد ميليباند، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، نوابه في البرلمان لدعم التصويت "الرمزي" للاعتراف بفلسطين دولة مستقلة.

غير أنه يبدو اليوم أقل حماسة وأكثر ميلاً لتبريد مواقفه، والتغريد بنغمة مختلفة، وهذا ما يعبّر عنه قول قادة الحزب إن "ما عبرنا عنه في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي خلال التصويت كان حول مبدأ الاعتراف، لكن قرار الاعتراف الفعلي يعتمد على مدى مساهمة ذلك في دفع المفاوضات بروح بناءة".

وفي ما يشبه التهرب من إجابة صريحة عن موعد ذلك الاستحقاق، يقول زعيم حزب "العمال": "لن أدخل في تفاصيل التأويلات حول متى يمكن أن يكون الاعتراف الفعلي على وجه التحديد، ولكننا سوف نأخذ القرار في الوقت المناسب".

وبالنسبة إلى البرنامج الانتخابي لحزب "العمال"، فهو ينص على أنّ الحزب "ملتزم بحلّ الدولتين الشامل؛ حلّ يقوم على أساس إسرائيل آمنة جنبا إلى جنب مع دولة فلسطينية قابلة للحياة ومستقلة، لا يمكن أن يكون هناك حل عسكري لهذا الصراع، ويتعين على كافة الأطراف تجنب اتخاذ إجراءات من شأنها أن تجعل تحقيق السلام أكثر صعوبة، سنواصل العمل للضغط من أجل العودة الفورية لمفاوضات هادفة تفضي إلى حل دبلوماسي".

ويمكن تفسير هذه "الخطوة إلى الوراء" لحزب "العمال"في ضوء حملة الضغط الواضحة التي يمارسها اللوبي المؤيد لإسرائيل ضدّ الحزب ومرشحيه، إذ أعلن عدد كبير من الممولين التقليديين لحملات الحزب الانتخابية عن سحب دعمهم المالي للعمال، فيما كشف استطلاع للرأي أجرته قبل أسبوعين صحيفة "جويش كرونيكل" اليهودية أن 69 في المائة من يهود بريطانيا لن يمنحوا أصواتهم لحزب "العمال"، فضلاً عن نشر صحيفة "إندبندنت" لتفاصيل اجتماع عقده إمبراطور الإعلام اليهودي، روبرت ميردوخ، مع كبار المحررين في مؤسساته الإعلامية النافذة في بريطانيا، حثهم فيه على بذل كل الجهود من أجل الحيلولة دون فوز حزب "العمال" في الانتخابات البرلمانية، ولم يخف اللوبي الداعم لإسرائيل سعيه إلى معاقبة العمال بسبب موقفهم المؤيد للاعتراف بدولة فلسطين. 

اقرأ أيضاً: ضعف مشاركة وتمثيل الأقليات في الانتخابات البريطانية 

وفي ما خص برنامج المحافظين، فإنه يتعرض للمسألة الفلسطينية عبر التأكيد على الموقف التقليدي للحزب المتمثل في: "دعم حل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والدفاع بقوة عن حق إسرائيل في حماية أمنها، مع الاستمرار بإدانة الاستيطان غير الشرعي، الذي يقوّض فرص السلام". ورغم أن الحزب يؤكد على وقوفه إلى جانب حرية العبادات، ورفضه لاضطهاد المسيحيين في الشرق الأوسط، غير أنه لا يتطرق إطلاقاً إلى اضطهاد المسيحيين والمسلمين تحت الاحتلال الاسرائيلي في الأراضي المقدسة. كما أنّ حزب المحافظين الرافض "لضم روسيا غير المشروع للقرم" يتجاهل تماما ضم إسرائيل غير الشرعي للأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس الشرقية.

ويحاول حزب "الأحرار الديمقراطي" تبنّي مواقف متوازنة في برنامجه الانتخابي، إذ يؤكد على: "التزامه بتسوية سلمية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني عن طريق التفاوض الذي يقوم على أساس حلّ الدولتين". وفي ما يبدو محاولة من الحزب لالتزام موقف محايد، يقول الحزب "إننا ندين استخدام القوة المفرطة من قبل جميع الأطراف، ندين الهجمات الصاروخية لحركة "حماس" وغيرها من التنظيمات التي تستهدف المدنيين الإسرائيليين، وندين التوسع الاستيطاني الذي يقوض إمكانية التوصل إلى حل الدولتين. نؤيد الاعتراف بدولة فلسطين المستقلة عندما يساعد ذلك الاعتراف على التوصل إلى حل الدولتين".

ورغم أن البرنامج الانتخابي لحزب "الاستقلال" اليميني، يؤكّد على تأييد حلّ الدولتين السلمي، إلا أن الحزب يتمسك بمواقف أعلنها قبل عامين، وتتلخص في كون الحزب "يدعم بالكامل حق إسرائيل في الوجود كدولة يهودية، تواجه محيطاً معادياً يسعى إلى تدميرها".

وفي اجترار لمسوغات الدعاية الصهيونية، يرى حزب "الاستقلال" أن "إسرائيل دولة صغيرة وضحية للهجمات الصاروخية والتفجيرات الانتحارية المتكررة من قبل الجماعات الإرهابية التي تستهدف المدنيين بشكل متعمد". وتضيف أدبيات الحزب أن "لإسرائيل كل الحق في الردّ على هذه الهجمات بالقوة المناسبة، لأن حكومة حزب (الاستقلال) كانت ستفعل الشيء نفسه لو تعرّضت بريطانيا لتهديد مماثل لما تتعرض له إسرائيل".

ويرفض حزب "الاستقلال" فكرة معاقبة إسرائيل بالمقاطعة الإقتصادية. وفيما يصف زعيم الحزب، نايجل فراج، نفسه بـ"الصديق الجيد لإسرائيل"، يقول السكرتير العام للحزب، الذي أسس "مجموعة أصدقاء إسرائيل في حزب الاستقلال": "تحظى إسرائيل بدعم هائل داخل الحزب".

وبالنسبة إلى الحزب "الوطني الإسكتلندي"، تكشف التوجيهات إلى مرشحيه أن موقف الحزب يتلخص في أن "بناء المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية والقدس الشرقية غير قانوني وغير مبرر، كون هذه المستوطنات غير شرعية بموجب القانون الدولي". ولا يخفي الحزب أن نوابه صوتوا لصالح الاعتراف بفلسطين في 13 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وأنه "حث حكومة المملكة المتحدة على الاعتراف رسميا بدولة فلسطين". ويعتبر حصار قطاع غزة "عقابا جماعيا". ويدعم مقاطعة الشركات العاملة في المستوطنات الإسرائيلية. ويدعو الحكومة البريطانية المقبلة إلى متابعة حل الدولتين لإسرائيل وفلسطين ودعم الاعتراف الرسمي بالدولة الفلسطينية".

وكما لم تغب قضية فلسطين من البرنامج والحملات الانتخابية للأحزاب البريطانية الكبرى، فقد حضرت أيضاً في حملات الحشد للمنظمات الأهلية المساندة لفلسطين، بحيث أطلقت "حملة التضامن مع فلسطين" في بريطانيا حملة إلكترونية تطلع الناخبين على مواقف أكثر من 170 مرشحا من القضية الفلسطينية. وقامت الحملة بتوجيه أسئلة عبر موقعها الإلكتروني لجميع المرشحين في كل مناطق بريطانيا، وطالبتهم بالإجابة عنها لكي يطّلع الرأي العام في دوائرهم الانتخابية على موقفهم الشخصي من المسألة الفلسطينية.

وقالت الحملة إنها تهدف بذلك إلى جعل المسألة الفلسطينية عاملاً مؤثراً في تحديد توجهات الناخبين لاختيار مرشحيهم.

في المقابل، تنشط منظمات اللوبي المؤيد للاحتلال في حملات دعم للمرشحين المجاهرين بمواقف مؤيدة بلا تحقظ لإسرائيل، يوازيها حملات تشويه للنيل من سمعة المرشحين المجاهرين بدعمهم للحقوق الفلسطينية وانتقادهم لسياسات إسرائيل.

المساهمون