03 نوفمبر 2024
فلسطين تبقى البوصلة
عندما تتحرّك الساحة الفلسطينية، تتراجع بقية الساحات إلى الخلف، ولو مؤقتا. ومهما حاول الإسرائيليون، وآخرون، جعل القضية الفلسطينية خارج دائرة الوعي العربي، أكّدت الأحداث والوقائع أنه كلما انتقل الصراع الفلسطيني الصهيوني إلى شوط جديد، إلا وكان لذلك وقع مباشر على بقية الملفات العربية، مهما كانت حدّتها وأهميتها. تبقى فلسطين بوصلة هذه الأمة، مهما طال الطريق، وتشعبت الدروب.
عندما أطلت غيمة الربيع العربي في سماء تونس، قبل أن تنتقل إلى دول عربية أخرى، اعتقدنا واعتقد فلسطينيون كثيرون معنا أن ما قد يترتب عن ذلك من تغيير في موازين القوى سيؤول، في النهاية، إلى دعم فلسطين، باعتبارها القضية المركزية. لكن، سرعان ما تبخرت تلك الآمال، إذ من غير المسموح تغيير المعادلات الإقليمية بشكل جوهري، من شأنه أن يؤثر على الأمن القومي الإسرائيلي. ولهذا السبب، تم الاشتغال، طوال الفترة الأخيرة، على أكثر من بلد وأكثر من قضية، حتى تبقى مختلف المسارات تحت السيطرة، وبدل أن تؤدي إلى تدارك الخلل في موازين القوى، حصل العكس تماما، حيث تساقطت دول المنطقة الواحدة تلو الأخرى، مثل قطع الدومينو.
توقف المسار الانتقالي في مصر بشكل مفاجئ وعنيف. وسقطت ليبيا في بئر عميقة، بعد أن خرجت كل الأشباح من قمقمها. وتحولت سورية إلى مخبر لأخطر التجارب، وأكثرها توحشا. وضاعت اليمن في متاهةٍ لا يعلم إلا الله متى ستخرج منها وبأي كلفة. أما العراق فقد كثرت فتنه، ونخره الفساد وشلته المناورات الإقليمية والأطماع الطائفية. وجاء الحصار الرباعي لقطر ليكون الحجر الأخير الذي ألقي على ما تبقى من الخيمة العربية المثقوبة والمهدّدة بالانهيار منذ زمن بعيد.
لم تُبعد هذه المتغيرات الإقليمية شبح التهديد عن الإسرائيليين، بل وفرت لهم مناخا ملائما جدا ليتقدّموا خطوة جديدة نحو الإجهاز على ما تبقى من وهم التسوية السياسية التي راهنت عليها كثيرا القيادة الفلسطينية منذ "أوسلو" إلى يوم الناس هذا.
آخر عقبة بقيت قائمة أمام هذه الخطوة كانت تتمثل في حركة حماس وبقية فصائل المقاومة. لهذا كثر أخيرا الحديث عن "حماس"، إسرائيليا وعربيا ودوليا، والنظر إليها باعتبارها تشكل تهديدا للسلام على الطريقة الإسرائيلية. وعلى الرغم من المراجعة التي قامت بها "حماس"، وظنت أنها قد تحدث تغييرا في نظرة الأطراف الدولية والإقليمية إليها، باعتبارها حركة لا تهدّد وجود إسرائيل، وإنما تطالب فقط بالعودة إلى حدود 67، إلا أن ذلك لم يغيّر أي شيء من مواقف الأطراف، بل واعتبرته القيادة الإسرائيلية مؤشرا جديدا للتدليل على أن الحديد قد بدأ يلين، وأن الفرصة سانحة اليوم لمزيد تطويعه، من أجل وضعه نهائيا في القالب المطلوب.
في هذا السياق المختلّ، وفي ظل استمرار الانقسام الفلسطيني، قرّر شبان وشابات من قلب فلسطين الاعتماد على أنفسهم، وتحمل مسؤولياتهم بشكل فردي، بعد أن يئسوا من لعبة الفصائل وحسابات القادة ومناوراتهم العقيمة التي لا تثمر، كما اقتنعوا بأن الحكومات العربية لن تكون قادرةً على تقديم أي مساعدةٍ جدية للفلسطينيين في هذا الظرف بالذات، بعد أن خرجت العواصم العربية الرئيسية من المعادلة الإقليمية.
لم ييأس هؤلاء الشباب، بل قرروا التضحية بأنفسهم من أجل إرباك الإسرائيليين، ونقل الخوف إلى صفوفهم. نجح هؤلاء في لفت انتباه العالم إلى أهم الملفات الحارقة: المستوطنات وتهويد القدس. وهما وجهان لخطة واحدة ترمي إلى تصفية نهائية للقضية، وتغيير كلي لطبيعتها وجوهرها .
يمكن القول إن هؤلاء الفتية والفتيات قد بدأوا يحققون شيئا من أهدافهم. عادت فلسطين إلى واجهة الأحداث، على الرغم من كل ما يجري. عاد العالم ليقف من جديد أمام التوحش الإسرائيلي. كما كرّروا إزعاج الأنظمة العربية الغارقة في مشكلاتها المحلية، وقد يفسدون عليها رغبتها الدفينة في التخلص نهائيا من الصداع الفلسطيني المتواصل. التطبيع مع إسرائيل يتوسع ويخترق الحواجز السابقة بسرعة ضوئية. ما يحصل، هذه الأيام، لن يكون بدون نتائج ولواحق.
عندما أطلت غيمة الربيع العربي في سماء تونس، قبل أن تنتقل إلى دول عربية أخرى، اعتقدنا واعتقد فلسطينيون كثيرون معنا أن ما قد يترتب عن ذلك من تغيير في موازين القوى سيؤول، في النهاية، إلى دعم فلسطين، باعتبارها القضية المركزية. لكن، سرعان ما تبخرت تلك الآمال، إذ من غير المسموح تغيير المعادلات الإقليمية بشكل جوهري، من شأنه أن يؤثر على الأمن القومي الإسرائيلي. ولهذا السبب، تم الاشتغال، طوال الفترة الأخيرة، على أكثر من بلد وأكثر من قضية، حتى تبقى مختلف المسارات تحت السيطرة، وبدل أن تؤدي إلى تدارك الخلل في موازين القوى، حصل العكس تماما، حيث تساقطت دول المنطقة الواحدة تلو الأخرى، مثل قطع الدومينو.
توقف المسار الانتقالي في مصر بشكل مفاجئ وعنيف. وسقطت ليبيا في بئر عميقة، بعد أن خرجت كل الأشباح من قمقمها. وتحولت سورية إلى مخبر لأخطر التجارب، وأكثرها توحشا. وضاعت اليمن في متاهةٍ لا يعلم إلا الله متى ستخرج منها وبأي كلفة. أما العراق فقد كثرت فتنه، ونخره الفساد وشلته المناورات الإقليمية والأطماع الطائفية. وجاء الحصار الرباعي لقطر ليكون الحجر الأخير الذي ألقي على ما تبقى من الخيمة العربية المثقوبة والمهدّدة بالانهيار منذ زمن بعيد.
لم تُبعد هذه المتغيرات الإقليمية شبح التهديد عن الإسرائيليين، بل وفرت لهم مناخا ملائما جدا ليتقدّموا خطوة جديدة نحو الإجهاز على ما تبقى من وهم التسوية السياسية التي راهنت عليها كثيرا القيادة الفلسطينية منذ "أوسلو" إلى يوم الناس هذا.
آخر عقبة بقيت قائمة أمام هذه الخطوة كانت تتمثل في حركة حماس وبقية فصائل المقاومة. لهذا كثر أخيرا الحديث عن "حماس"، إسرائيليا وعربيا ودوليا، والنظر إليها باعتبارها تشكل تهديدا للسلام على الطريقة الإسرائيلية. وعلى الرغم من المراجعة التي قامت بها "حماس"، وظنت أنها قد تحدث تغييرا في نظرة الأطراف الدولية والإقليمية إليها، باعتبارها حركة لا تهدّد وجود إسرائيل، وإنما تطالب فقط بالعودة إلى حدود 67، إلا أن ذلك لم يغيّر أي شيء من مواقف الأطراف، بل واعتبرته القيادة الإسرائيلية مؤشرا جديدا للتدليل على أن الحديد قد بدأ يلين، وأن الفرصة سانحة اليوم لمزيد تطويعه، من أجل وضعه نهائيا في القالب المطلوب.
في هذا السياق المختلّ، وفي ظل استمرار الانقسام الفلسطيني، قرّر شبان وشابات من قلب فلسطين الاعتماد على أنفسهم، وتحمل مسؤولياتهم بشكل فردي، بعد أن يئسوا من لعبة الفصائل وحسابات القادة ومناوراتهم العقيمة التي لا تثمر، كما اقتنعوا بأن الحكومات العربية لن تكون قادرةً على تقديم أي مساعدةٍ جدية للفلسطينيين في هذا الظرف بالذات، بعد أن خرجت العواصم العربية الرئيسية من المعادلة الإقليمية.
لم ييأس هؤلاء الشباب، بل قرروا التضحية بأنفسهم من أجل إرباك الإسرائيليين، ونقل الخوف إلى صفوفهم. نجح هؤلاء في لفت انتباه العالم إلى أهم الملفات الحارقة: المستوطنات وتهويد القدس. وهما وجهان لخطة واحدة ترمي إلى تصفية نهائية للقضية، وتغيير كلي لطبيعتها وجوهرها .
يمكن القول إن هؤلاء الفتية والفتيات قد بدأوا يحققون شيئا من أهدافهم. عادت فلسطين إلى واجهة الأحداث، على الرغم من كل ما يجري. عاد العالم ليقف من جديد أمام التوحش الإسرائيلي. كما كرّروا إزعاج الأنظمة العربية الغارقة في مشكلاتها المحلية، وقد يفسدون عليها رغبتها الدفينة في التخلص نهائيا من الصداع الفلسطيني المتواصل. التطبيع مع إسرائيل يتوسع ويخترق الحواجز السابقة بسرعة ضوئية. ما يحصل، هذه الأيام، لن يكون بدون نتائج ولواحق.