وأوضحت مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، أن سبب المواجهات، التي أدت إلى مقتل وجرح العديد من عناصر الفصيلين، والمستمرة منذ الجمعة الماضي، "هو الاختلاف على إدارة معابر التهريب التي تربط بين منطقة درع الفرات، مع مناطق سيطرة قوات النظام في ريف حلب". وفي السياق، ذاته، أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان اندلاع اشتباكات، وصفها بـ"العنيفة"، بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة، بين مقاتلين من المعارضة السورية ينحدرون من مدينة تل رفعت في ريف حلب الشمالي، وبين المكتب الأمني في معبر باب السلامة الحدودي مع تركيا في مدينة إعزاز شمال حلب، والذي تسيطر عليه "الجبهة الشامية". وأشار إلى أن "عمليات التهريب تتواصل بشكل متصاعد ومنظم من مناطق نفوذ الفصائل الموالية لتركيا بريف حلب الشمالي الشرقي، نحو المناطق الخاضعة لسيطرة قوات النظام". وأوضح أن "عشرات الشاحنات، المحملة بمختلف أنواع البضائع من المواد الغذائية والماشية، توجهت السبت نحو قرية السكرية في ريف مدينة الباب شمال شرق حلب، ومن ثم جرى إدخالها نحو مناطق سيطرة النظام، تحت حماية عناصر من فرقة الحمزة".
وأكد المرصد أن عمليات التهريب تتم بشكل يومي عبر الممرات والمنافذ التي تخضع لإشراف فصائل عسكرية منضوية ضمن "الجيش الوطني"، وتنتشر على طول خط التماس مع قوات النظام السوري و"قوات سورية الديمقراطية" (قسد) في ريفي حلب الشرقي والشمالي الشرقي. وأوضح أن "فرقة الحمزة" تسيطر على معابر التهريب في مدينة الباب في ريف حلب الشمالي الشرقي، بينما يسيطر فصيل "أحرار الشرقية" على معابر جرابلس في ذات الريف، مشيراً إلى أن "فرقة السلطان مراد" و"لواء الشمال" يشاركان بهذه الأعمال، ومؤكداً أن هذه الفصائل تتقاضى مبالغ مالية كبيرة تصل إلى أكثر من 1000 دولار أميركي عن كل شاحنة.
وتؤكد مصادر محلية أن "حالة الاستياء من الاقتتال بين الفصائل، إضافة الى التجاوزات بحق المدنيين، تعم ريف حلب الشمالي"، مشيرة إلى أن "هذه الفصائل منشغلة بعمليات تهريب البضائع من وإلى مناطق النظام، وقوات سورية الديمقراطية (قسد)، في ظل فلتان أمني، بات السمة الأبرز في المناطق الخاضعة للنفوذ التركي". وأشارت المصادر، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "انتشار مقرات لهذه الفصائل داخل المدن والبلدات في منطقة درع الفرات يجعل من أي اقتتال، حتى لو كان محدوداً، سبباً لفقدان مدنيين لحياتهم في ظل غياب تام لأي آليات محاسبة". وبيّنت أن فصائل منضوية في "الجيش الوطني" استولت على منازل مدنيين في مدينتي الباب والراعي في ريف حلب الشمالي خلال العامين الماضيين، فضلاً عن تجاوزات أخرى من قبيل فرض إتاوات، في ظل شلل كامل للمؤسسات المحلية التي من المفترض أن تدافع عن حقوق المدنيين وتضع حداً لتجاوزات هذه الفصائل. وأشارت المصادر إلى أن حالة الفلتان الأمني، وانصراف الفصائل إلى عمليات التهريب والتعدي على الأملاك العامة والخاصة، يسمح لعدة جهات بإرسال سيارات مفخخة وتفجيرها بين المدنيين لتعميم حالة الفوضى والفلتان الأمني في مناطق فصائل المعارضة السورية في شمال البلاد.
وهذه ليست المرة الأولى التي تشهد مدينة الباب، كبرى مدن منطقة "درع الفرات"، اقتتالاً بين فصائل المعارضة السورية، لأسباب تتعلق بالنفوذ، أو فردية سرعان ما يتسع نطاقها. وشهدت الباب، التي تقع شمال شرق مدينة حلب بنحو 40 كيلومتراً وتتبع إدارياً لها، الخميس الماضي، "اتفاق صلح" بين "أحرار الشرقية" و"الفرقة 20"، عقب اشتباكات بين الفصيلين في ريف مدينة جرابلس بسبب نزاع حول معبر "عون الدادات" الذي يربط منطقة "درع الفرات" بمناطق "قسد" في مدينة منبج وريفها.
وتُعَد "الجبهة الشامية" و"الحمزات" الأبرز في فصائل المعارضة في الشمال السوري، خصوصاً في منطقة "درع الفرات". وكانت "فرقة الحمزة" تأسست بداية العام 2016، من اندماج عدة مجموعات في هذا التشكيل المقرب من الجانب التركي، فيما تشكلت "الجبهة الشامية" أواخر العام 2014 من خلال اندماج عدة فصائل في ريف حلب في الجبهة التي تنشط في ريف حلب الشمالي. وكانت فصائل المعارضة السورية سيطرت على كامل ريف حلب الشمالي بداية 2017، حيث انتزعته من تنظيم "داعش" بعد أشهر من القتال بدعم مباشر من الجيش التركي. ولم يشهد هذا الريف استقراراً كاملاً منذ ذلك الحين بسبب خلافات الفصائل، حيث يسعى كل فصيل للحصول على نفوذ أكبر في المنطقة، في ظل عدم تدخل تركي جدي لوضع حد للاحتراب الداخلي، والتنافس بين عشرات الفصائل التي تنتشر في الشمال السوري، والذي يدفع ثمنه المدنيون في المنطقة التي تعج بالنازحين من مختلف المناطق، خصوصاً من الشمال الغربي من سورية، حيث توجه إليها آلاف المهجرين من محافظة إدلب ومحيطها إبان العملية الأخيرة لقوات النظام والمليشيات في فبراير/شباط الماضي.