يقول عوض الذي يعيل 3 أطفال بنبرة يكسوها الحزن، إن "ارتفاع الأسعار في مصر عرض مستمر لا يتوقف أبداً. العلاوة الجديدة لن تفعل شيئاً أمام الزيادات التي يعلن عنها من وقت لآخر... الالتزامات تزيد بشكل مبالغ فيه مقابل زيادات محدودة للرواتب لا تتناسب مع أي شيء".
وتعاني الطبقات الوسطى والفقيرة في مصر في العامين الأخيرين من ارتفاع حاد في أسعار جميع السلع والخدمات. وعلى مدى الأعوام القليلة الماضية، انتشرت شاحنات الجيش في أنحاء البلاد لبيع المنتجات الغذائية بأسعار رخيصة وزادت منافذ البيع التابعة للقوات المسلحة.
فالحكومة المصرية تنفذ برنامجاً للإصلاح الاقتصادي منذ 2016 ولمدة 3 سنوات شمل تحرير سعر الصرف وخفض دعم الطاقة والمياه سنوياً وزيادة إيرادات الدولة وإقرار عدد من القوانين الجديدة المحفزة للاستثمار.
ولتخفيف عبء برنامج الإصلاح على محدودي الدخل، اتخذت السلطات المصرية إجراءات اجتماعية للعام الثاني على التوالي، شملت زيادة الأجور والمرتبات ورفع حد الإعفاء الضريبي وتطبيق علاوات استثنائية ورفع المعاشات.
لكن في الوقت ذاته، رفعت الحكومة أسعار مترو الأنفاق والمياه وعدد من الخدمات المقدمة للمواطنين، وهو ما يزيد العبء على كاهلهم في وقت يترقبون فيه زيادات جديدة في أسعار الكهرباء والبنزين من المنتظر الإعلان عنها خلال أيام.
وكانت الحكومة المصرية توصلت إلى اتفاق تمويل بقيمة 12 مليار دولار على 3 سنوات مع صندوق النقد الدولي في نهاية 2016.
رئيسة قسم البحوث في بنك الاستثمار "فاروس"، رضوى السويفي، تقول إنه "طريق بدأناه ولا بد من تكملته للنهاية. لا أعتقد أن الحكومة ستتوقف لأي سبب من الأسباب عن برنامج الإصلاح الاقتصادي.. ترددنا من قبل في 2012 وحتى 2015 في اتخاذ القرارات السليمة، والاقتصاد تأثر سلباً... هناك مؤشرات اقتصادية تم الاتفاق عليها مع صندوق النقد الدولي ولابد من تحقيقها".
وتضيف أن "الحزمة الاجتماعية التي تم الإعلان عنها تؤكد أن الحكومة تسير في طريقها، وستنفذ خطة خفض الدعم، فيما الحمل الأكبر سيكون على الطبقة دون المتوسطة وخاصة في أسعار المواصلات".
وفي المنيا في صعيد مصر، تتساءل سلوى شكري الموظفة الحكومية قائلة: "ممكن الحكومة تساعدنا وتقولنا نعيش إزاي؟ ليس لدينا حلول أنا وزوجي لنعيش حياة كريمة مستورة. نرجو منها (الحكومة) تقولنا نعيش إزاي؟".
وتتوسع الحكومة بقوة في برنامج (تكافل وكرامة) الذي يقدم دعماً نقدياً شهرياً للأسر الأشد فقراً في مصر، إلى جانب زيادة الدعم الموجه للمواطنين في بطاقة التموين.
وتدعم مصر نحو 70 مليون مواطن من خلال بطاقات تموين. وتخصص الحكومة 50 جنيهاً (2.8 دولار) شهرياً لكل مواطن مقيد في البطاقات التموينية لشراء السلع.
ويتساءل إبراهيم عبد السلام، وهو مزارع من كفر الشيخ شمالي القاهرة، قائلاً بنبرة غاضبة: ”مش عارفين همّا (الحكومة) بيعملوا معانا كده ليه؟ إحنا انتخبنا الرئيس مرتين، وهو وعدنا إنه هيخلي باله من الغلابة، لكن الظاهر إن الحكومة بتطبق كلامه بالعكس. الناس بتتكلم عن زيادة جديدة في البنزين والسولار هتولع الدنيا".
محلل الاقتصاد المصري في المجموعة المالية "هيرمس"، محمد أبو باشا، قال إن "الحكومة ستلتزم بالإجراءات وبرنامج الإصلاح، وسيكون أمامها تحد مهم، وهو النمو الاقتصادي، لأنه الفيصل في تحسين حياة الناس ونجاح برنامجها لخلق فرص عمل جديدة وخفض البطالة".
وهبط معدل البطالة في البلاد إلى 10.6% في الربع الأول من هذا العام مقابل 12% قبل عام.
وعلى رغم تعافي معدلات النمو الاقتصادي، لا يشعر المصريون بتحسن أحوالهم المعيشية حتى الآن، بل يرونها تزداد صعوبة مع كل زيادة تطبقها الحكومة في أسعار السلع أو الخدمات.
ويقول يوسف عبده، وهو سائق في العقد الرابع من عمره من محافظة المنيا جنوب القاهرة، إن "الغلاء زاد عن طاقة احتمال الناس... أنا بشتغل حُر على باب الله وعليّ أقساط... استغنينا عن الكثير حتى نعيش يومنا فقط".
محللة الاقتصاد المصري، ريهام الدسوقي، تقول إن "الإصلاحات الاقتصادية سيكون لها تأثير سلبي على الطبقة المتوسطة في مصر على المدى القصير، لأنها الأقل استفادة من الحُزم الاجتماعية التي تقرها الحكومة".
ولا يوجد تعريف واضح للطبقة المتوسطة في مصر أو دخل شهري محدد لأبناء هذه الطبقة. ويبلغ الأحد الأدنى للأجور في مصر 1200 جنيه شهرياً.
واستعان محمد حامد (65 عاماً)، الموظف السابق بوزارة الزراعة، بمثل شعبي في الإجابة عن أسئلة من "رويترز" بخصوص هذا التقرير، موجهاً رسالته إلى الحكومة المصرية "يا نحلة لا تقرصيني ولا عايز عسل منك".
(رويترز)