فصائل وُلدت من رحم النكبة... وتعيش من "خيرها"

15 مايو 2014
باستثناء "فتح" و"حماس" والأحزاب اليسارية، باتت شعبية الفصائل صفراً(GETTY)
+ الخط -
 

يضم المبنى الأزرق الفخم لمنظمة التحرير الفلسطينية في رام الله، عشرة فصائل وأحزاب فلسطينية، معظم الفلسطينيين لم يسمعوا بنصف عددها، إذ تعيش حالة غياب فعلاً وقولاً، حتى في أيام إحياء الذكرى السادسة والستين للنكبة الفلسطينية. لكن غيابها الفعلي، في الشارع والجامعات والنقابات، لا يعني أنها غير موجودة في المعادلة السياسية والمالية لمنظمة التحرير الفلسطينية.

وُلدت جميع هذه الفصائل الفلسطينية من رحم الهزيمة العربية حين تُركت فلسطين لتحتل من العصابات الصهيونية بدعم بريطاني، ليكون لها هدف واحد ووحيد، وهو تحرير فلسطين.

وهذه الفصائل هي حركة فتح، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وحزب الاتحاد الديمقراطي الفلسطيني"فدا"، وجبهة التحرير العربية، وجبهة التحرير الفلسطينية، والجبهة العربية الفلسطينية، وجبهة النضال الشعبي، وحزب الشعب، ومنظمة طلائع حرب التحرير الشعبية "الصاعقة"، بحسب موقع دائرة الثقافة والإعلام في منظمة التحرير.

لكن، بعد ستة وستين عاماً، لم تفلح هذه الفصائل والأحزاب التي ارتبط اسمها بتحرير فلسطين، بأن تقوم بهذه المهمة، فقد شاخت قياداتها، وبرامجها السياسية، بعدما طحنتها عجلة اتفاقية مدريد وما تلاها من اتفاقيات اوسلو، لتعيش في العقدين الماضيين مرحلة "تكيّف". فلا هي قادرة على الرجوع إلى ماضيها المناضل الذي ينادي بتحرير فلسطين بالكفاح المسلح، ولا عاد بإمكانها تحويل مشروع السلطة الذاتية، إلى دولة. بالنتيجة، "تكيّفت" هذه الفصائل، وأصبحت عالقة في مرحلة الهزيمة منذ أكثر من عقدين.

رفض العديد من قيادات هذه الأحزاب الرد على أسئلة "العربي الجديد"، والتي اعتبروها "فجّة"، وتحمل "نوايا سلبية"، ولا سيما عند السؤال حول الجدوى من وجود فصيل فلسطيني وزنه في استطلاعات الرأي الفلسطينية يساوي "صفراً"، ولا يوجد له تمثيل في النقابات أو الجامعات، ومع ذلك يحظى أمينه العام بمخصصات مالية من منظمة التحرير، وله وزن سياسي على طاولة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، أعلى مصدر للقرار الفلسطيني.

وفي حين يرى باحثون وخبراء في علم السياسة أن هذه الفصائل فقدت شرعيتها التاريخية حين توقفت عن النضال، يرى آخرون، ولا سيما الشباب، أن هذه الفصائل انسلخت عن الشارع، وأصبحت غير موجودة بالفعل، لدرجة أن بعض الشبان الذين قابلهم "العربي الجديد"، تساءل بجدية إن كانت الفصائل التي تم ذكرها حقيقية وموجودة في فلسطين.

يقول الكاتب والمحلل السياسي، خليل شاهين، إن "القيادات الهرمة في الفصائل الفلسطينية، تمنع وجود أدوات جديدة للصراع وبالتالي تمنع تطوير البرامج السياسية التي تتبناها الفصائل، فضلاً عن أن هذه الفصائل انفصلت عن المجتمع، وأصبح صنع القرار فيها مقتصراً على دائرة ضيقة تعمل ضمن مؤسسة الرئيس الذي يسيطرعلى المؤسسات المهمة، ولا توجد إمكانية للتحدث عن حراك جماهيري فيها".

ويرى مدير "مركز العالم العربي للبحوث والتنمية" نادر سعيد، أن 40 في المئة من الشارع الفلسطيني غير مكترث بأي حزب أو فصيل، وهذا لا يعني بالتأكيد أن الـ60 في المئة منتمون إلى أحزاب، بل هم ما بين مؤيد ومنتمٍ للأحزاب السياسية".

وإذا استثنينا حركتي "فتح" وحركة المقاومة الإسلامية "حماس" (غير المنضوية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية) والاحزاب اليسارية، وفي مقدمتها الجبهتان الشعبية والديمقراطية و"حزب الشعب"، فإن ما تبقى من فصائل وحركات فلسطينية تكاد لا تُذكر في استطلاعات الرأي العام الفلسطينية، بل، وبحسب ما يقول سعيد، "لا تظهر في استطلاعات الرأي العام، وإن ظهرت تكون نسبتها صفراً أو أكثر بقليل".

وتُظهر نتائج أحدث استطلاع أجراه المركز، أن حركة "فتح" هي الأكثر شعبية في صفوف الرأي العام بحصولها على 42 في المئة، وتتبعها حركة "حماس" بحصولها على 15 إلى 20 في المئة، بينما تكشف النتائج أيضاً أن أي حزب أو مجموعة سياسية، غير "فتح" و"حماس"، لا تحصل على أكثر من 2 في المئة من تأييد الشارع الفلسطيني، بينما تصل نسبة المترددين في الضفة الغربية الى اكثر من 40 في المئة.

ويرى شاهين أن فقدان فصائل منظمة التحرير لوحدانية التمثيل والقيادة الموحّدة، "أفقدها دورها التاريخي، ولم يفقدها دورها السياسي بعد، إذ لم تعد حاملاً وطنياً لمشروع واضح معرّف وموحد للفلسطينيين، تعمل من أجل تحقيقه". ويوضح أن "الفلسطيني لم يعد مقتنعاً بأن هذه الفصائل قادرة على تقديم بدائل ممكنة التحقيق، وبالتالي يشعر بعدم جدواها".

الأمر من وجهة نظر مواطن عادي، مثل أبو شادي، صاحب بقالة في رام الله، بمنتهى البساطة، إذ يختصره بالقول "كنا مع منظمة التحرير والفصائل الفلسطينية عندما كانت تناضل، لكنها الآن تركب سيارات نمرة حمراء (في إشارة إلى مركبات المسؤولين)، ولديها مخصصات مالية، والنضال لم يعد مشروعها، لذلك كفرنا بها".

لكن الكفر السياسي الذي يقصده أبو شادي، يواجه بشرعية سياسية تملكها منظمة التحرير وفصائلها. فوفق شاهين، "هناك أطراف دولية وعربية، والاحتلال أيضاً أعطى لمنظمة التحرير وفصائلها الشرعية السياسية، ورفع هذه الشرعية يعني انتهاء النظام السياسي، والرئيس محمود عباس يخشى اللحظة التي عاشها ذات يوم الشهيد ياسر عرفات عندما حاصره الاحتلال الإسرائيلي، وأصدرت الولايات المتحدة والمجتمع الدولي الحكم عليه بجملة واحدة مقتضبة جداً حرفيتها أنه لم يعد ذا صلة"، أي أنه فقد الشرعية التي منحوها له ذات يوم عندما اعترف بوجود إسرائيل، ووقّع معاهدات السلام معها.

في المقابل، يشير الكاتب والمحلل السياسي، جهاد حرب، إلى أن "من أسباب تراجع الفصائل الفلسطينية، أن هدف الوصول إلى السلطة لدى بعضها، بات أهم من إنهاء الاحتلال عندها، إلى جانب غياب الديمقراطية فيها".

ويعزو حرب التراجع في واقع الأحزاب إلى "تكلس القيادات العليا فيها، وعدم إعطاء فرصة للقيادات الشابة، وإن حدث يكون في أزمان متباعدة، وهي لا تملك برنامجاً وطنياً واضحاً ومتفقاً عليه".

ولا ينكر أحد المسؤولين السياسيين، الذي رفض الإفصاح عن هويته، أن كل ما تبذله الفصائل من جهد، يهدف للمحافظة على امتيازاتها المادية والمعنوية، إذ يتم صرف مخصصات مالية لكوادرها، وبدل ايجارات لمقراتها، ومحروقات لسيارات قياداتها، بشكل شهري، فيما يعيش المؤيدون لهذه الفصائل حالة من الفقر، وبالكاد يستطيع الشبان من غير المتنفذين تدبر أقساط جامعاتهم.

لكن الشباب الفلسطيني يرى أن الأزمة أعمق بكثير، ويرصدون انفصاماً بين ما تقوله هذه الفصائل، وبين ما تفعله على الأرض. فقبل نحو أسبوعين، اهتمّ ناشطو شبكات التواصل الاجتماعي، وتحديداً نشطاء حركة "فتح" منهم، بنشر ما قاله عباس للقيادية في "الجبهة الشعبية" خالدة جرار، عندما هاجمت اتفاقية اوسلو، في اجتماع المجلس المركزي بتاريخ 29 أبريل/نيسان الماضي، فأجابها بـ: "نعم، أوسلو خيانة، وكل ما نتج عن اتفاقية اوسلو خيانة، فالمجلس التشريعي يعتبر أحد نتائج أوسلو الخيانية، وأنتِ يا رفيقة خالدة عضو في مجلس خياني نجم عن اتفاقية خيانية". وقام مناصرو عباس بجمع راتب جرار كنائب في المجلس التشريعي، وهو 3000 دولار منذ انتخابها عام 2006، بشكل مستفزّ.

الشبان الموالون للجبهة الديمقراطية عاشوا موقفاً سيئاً هم أيضاً، عندما شارك نائب الأمين العام للحزب، قيس عبد الكريم، في لقاء تطبيعي في مقر الرئاسة الفلسطينية، عندما استقبل عباس نحو 300 من الشبيبة الصهيونية في فبراير/شباط الماضي، بينما كانوا أمام المقاطعة يتظاهرون ضد اللقاء.

الأمر لا يختلف كثيراً عند شبيبة حركة "فتح" التي رفض كوادرها المشاركة في اللقاء المذكور، وفي الوقت نفسه، أحجموا عن إصدار بيان يدين من شارك فيه، تحسباً من غضب القيادة.

وبالاستناد إلى ما قالته بعض قيادات هذه الأحزاب لـ"العربي الجديد"، عن أن الفصائل في حالة انحسار جماهيري وليس "انفصام"، فإن الواقع على الأرض يشير إلى أن هذا الانحسار وصل إلى ذروته.

المساهمون