فصائل المعارضة والرهان على حصار دمشق

21 سبتمبر 2014
النظام يجد نفسه عاجزاً ومكشوفاً (أحمد علي/الأناضول)
+ الخط -

اعتقد النظام السوري أن سيطرة قوّاته على بلدة المليحة، القريبة من دمشق، بعد حملة عسكريّة وُصفت بـ"الشرسة"، وامتدّت لنحو 135 يوماً، وكبّدت المعارضة خسائر فادحة في المقاتلين، ستفتح الطريق أمامه لاختراق الغوطة الشرقية. وحين لم يتمكّن من ذلك، كثّفت قواته نيرانها على جبهة جوبر، في قصف عشوائي، وارتكبت طائراته المجزرة تلو الأخرى داخل الغوطة، كان آخرها يوم الاثنين الماضي، في بلدة حموريّة، حيث قضى نحو 13 مدنياً وجُرح العشرات في غارتين على الأحياء السكنيّة وسط البلدة.

وعلى الرغم من كلّ ما فعله النظام من مجازر، وإدخاله نوعيّة جديدة من الصواريخ (محمولة بالمظلات)، ذكرت بعض التقارير أنها مصنوعة في إيران ولها قدرة تفجيرية هائلة، فضلاً عن استخدامه الغازات السامة أكثر من مرّة، إلا أن النتائج جاءت معاكسة لرغباته، بإبعاد خطر المقاتلين عن محيط دمشق.

قبل عشرة أيام، تفاجأ النظام بتسلّل المقاتلين إلى مكان، لطالما اعتقد أنه حصين، في حي الدخانية، التابع لمدينة جرمانا، التي تعتبر قاعدة خلفيّة لمقاتليه، وخزاناً بشرياً لمناصريه.

وجرى التسلّل إلى حيّ "الدخانية" والسيطرة عليه بالكامل، بمساعدة ضباط وعناصر من داخل الحي، كما يكشف المتحدث باسم "فيلق الرحمن"، محمد عبد الغني، لـ"العربي الجديد"، علماً أن "فيلق الرحمن" هو أحد الفصائل التي دخلت الحي. ويعتبر عبد الغني أنّ العامل الأهم، هو "القيادة المشتركة التي أعلن عنها مؤخراً، لقيادة العمل العسكري في الغوطة الشرقيّة بقيادة زهران علوش".

وكان لدخول حي الدخانية، ومن ثم منطقة الكشكول، بشكل مباغت وسريع، وفرار السكان من المدينة التي طالما تمّ تصويرها على أنّها قلعة النظام العصيّة على أي اختراق، وقع الصاعقة على قوات النظام. وأدى ذلك إلى حالة من التخبّط والإرباك، دفعت بمحافظ ريف دمشق للتجول ليلاً في جرمانا، والمناداة على السكان في مكبّرات الصوت، لمناشدتهم عدم النزوح عن المدينة، مدّعياً أن الأمور تحت السيطرة، وفاقم ذلك من حالة الذعر، وجعل غالبيّة مؤيدي النظام ينتقلون إلى خارج جرمانا.

يعتبر عبد الغني أنّ العمليّة كانت ناجحة جداً، ويبرهن ذلك بحسابات عسكريّة، إذ سقط نحو 150 قتيلاً للنظام، بينهم العقيد رضا مخلوف (ابن حافظ مخلوف، رئيس قسم الأربعين في الفرع الداخلي التابع للاستخبارات)، وتمّ أسر نحو 60 آخرين. كما خفّفت العمليّة الضغط عن جبهة جوبر، وأصبح المتحلق الجنوبي أهم الطرق الحيويّة المحيطة بدمشق، تحت مرمى نيران المعارضة، علماً أنّ فرع الدوريات وفرع فلسطين على بعد كيلو متر واحد من أماكن تمركزهم.

يعترف عبد الغني أنّ الغارات الجوية حوّلت الحي إلى ركام، مما دفعهم لتأمين خروج آمن للسكان، مؤكداً في الوقت ذاته، استخدام النظام غاز الكلور، موقعاً عدد من الإصابات بين مقاتليهم، في محاولة لوقف تقدّمهم باتجاه الكشكول والدويلعة.

ولم تكن عملية الدخانية، الاختراق الوحيد، إذ نفّذ مقاتلو المعارضة مؤخراً عملية أخرى في حي الميدان، نفذتها فصائل أخرى مغايرة لتلك التي نفذت عملية الدخانية، من بينها "أحرار الشام" و"جبهة النصرة" و"لواء الإسلام". وتمكّنت مجموعتان من مقاتلي هذه الفصائل، من التسلّل إلى حيي الميدان والزاهرة، ونفذتا عمليّة نوعيّة على حاجز مارينا، واشتبكتا مع الحواجز المتواجدة في محيط دوار البطيخة، مما أدّى إلى قتل وجرح عدد من قوات النظام قبل أن تنسحبا.

وتأتي هذه العمليات في وقت تتوالى فيه الأنباء عن تقدم مقاتلي المعارضة في محافظة القنيطرة، وتحرير نحو 80 في المئة من مساحتها، والسيطرة على الشريط الحدودي مع الجولان المحتل من قبل إسرائيل، وجنوباً إلى الحدود الأردنية، مما يعني أنّ تهديد طريق دمشق ــ عمان، وهي الرئة التي تتنفّس منها دمشق اقتصادياً، لم يعد هدفاً بعيد المنال. ولن يتمكّن النظام من حمايته بالبراميل المتفجّرة، التي ترميها مروحيّاته على نوى وداعل وعتمان وغيرها من بلدان ومدن محافظة درعا.

ويتركّز الإنجاز الأهم في معركة تحرير القنيطرة، باتصالها جغرافياً مع بلدات الغوطة الغربيّة المحاصرة. ويقدّر ناشطون المسافة المتبقية بنحو 30 كيلو متراً. وفي حال إنجاز ذلك الاتصال، فمن شأنه أن يخرج غرب وجنوب دمشق من الحصار، ويفتح الطرق أمام المعارضة وصولاً إلى الأردن، ما يخوّلها احكام سيطرتها على كلّ الجبهة الجنوبية "درعا والقنيطرة والجولان وريف دمشق الغربي والجنوبي".

ويكمن الإنجاز الأبرز في معركة الدخانية، بأنها تفتح الباب أمام احتمال اتصال الغوطتين الشرقيّة والغربيّة، مما يعني ضمناً قطع طريق المطار، مع إمكانيّة الدعم من الامتداد الطبيعي شمالاً وصولاً إلى مناطق وادي بردى والقلمون، التي تشهد أيضاً معارك كرّ وفرّ بين النظام ومقاتلي المعارضة، مما يعني أن طريق دمشق ــ حمص لن يبقى آمناً.

يضاف إلى ما تقدّم، حملة صواريخ مقاتلي المعارضة التي باتت، تصل إلى مرآب القصر الجمهوري، في حي المالكي، وإلى المربّع الأمني في كفرسوسة، والمراكز العسكريّة في أبعد نقطة في دمشق، المزة 86، مما يشير في المحصلة إلى أنّ أحداثاً جديدة للمعركة، بدأت ملامحها في التشكّل، وما تحتاجه هو قيادة جامعة تنسّق عمل كل الجبهات، مما يؤهلها لقلب المعادلة وإعادتها إلى وضعها الطبيعي.

ويبقى السؤال المطروح: "هل سيتغلّب مقاتلو المعارضة على انقساماتهم، كي يعيدوا لأرض المعركة وحدتها، ويضعوا المعادلة في مكانها الصحيح، لتصبح دمشق المدينة، ودمشق العاصمة "مركز القرار السياسي والعسكري" هي المحاصرة من محيطها وريفها المفتوح، وليس العكس؟

في حال وجدت الإرادة، فإنّ المعارضة قادرة على تغيير ميزان القوى، ذلك أنّ النظام يجد نفسه مكشوفاً وعاجزاً أمام قوى دوليّة، تستعد ربّما لأكثر من استباحة أجوائه، تحت ذريعة مطاردة "داعش" و"جبهة النصرة".

المساهمون