يُشكّل الحدث السياسي والميداني نقطة التركيز الأساسية لمعظم وسائل الإعلام التي تغطّي الشأن السوري، وتصبح المنطقة التي تشهد حدثاً سياسياً أو ميدانياً هي التي يتم تسليط الضوء عليها اجتماعياً واقتصادياً وخدمياً وحتى ثقافياً، فيما يتم إهمال المناطق الأخرى، التي قد يعاني سكان بعضها من إهمال وسوء خدمات، وحتى افتقاد لأبسط مقوّمات الحياة، ولكنها تبقى بعيدة عن عين وسائل الإعلام المحلية منها والعربية وحتى الأجنبية. وقد تكون هذه الطريقة في التغطية منطقية بالنسبة لوسائل الإعلام غير السورية ولكنها تهتم بالشأن السوري، إلا أن اتّباع وسائل الإعلام السورية، خصوصاً تلك التي نشأت خلال الثورة كوسائل إعلام مستقلة، هذا الأسلوب في التغطية هو أمر لا يدخل في باب الخطأ المهني فحسب، بل يعبّر عن فشل ذريع لتلك الوسائل في الوصول إلى المواطن ورصد مشاكله وتسليط الضوء على همومه ومعاناته في أية بقعة يعيش فيها داخل سورية، بغضّ النظر عن الجهة التي تخضع لسيطرتها تلك البقعة. يحصل ذلك بموازاة تغطية أخبار السوريين في دول اللجوء، والاكتفاء بتغطية أخبار أطراف الصراع على سورية الداخلية والدولية، ورصد سطحي لمشاكل المتضررين من هذا الصراع (أي المواطنين) وضمن المناطق التي تشهد حراكاً سياسياً أو تحركات عسكرية، في الوقت الذي يعاني منه سوريون في مناطق أخرى أقسى أنواع الانتهاكات من جميع الأطراف التي تتحكم بهم. الأمر الذي ساهم إلى حدّ كبير في عدم وصول وسائل الإعلام السورية إلى الجمهور السوري.
ولعل ظهور مواطنين في مناطق سيطرة النظام وتصديهم لنشر المعاناة ورصد كل الأزمات التي يعيشها سكان تلك المناطق عبر وسائل التواصل الاجتماعي من خلال فيديوهات وصور وكتابات، تجاوزت كل الخطوط الحمراء المسموح فيها ضمن وسائل إعلام النظام، لهو خير دليل على فشل وسائل الإعلام المستقلة في الوصول إلى جمهور المواطنين في تلك المناطق، نظراً للتفاعل الكبير الذي أداه نشاط هؤلاء المواطنين من قبل جميع السوريين، ونظراً للإرباك الذي أحدثوه للنظام بسلطتيه التنفيذية والسياسية، في الوقت الذي لم يحقق الإعلام المستقل أي تفاعل يذكر من قبل الجمهور في مناطق النظام ومناطق سيطرة "قوات سورية الديمقراطية" وحتى في مناطق سيطرة المعارضة. الأمر الذي يحتاج إلى إعادة نظر شاملة في طريقة وأسلوب ومناطق التغطية، وفي خيارات الجمهور المستهدف والقضايا التي تثير اهتمامه.