فشل الأمن الباكستاني في التصدي للعنف المتواصل في كراتشي

11 أكتوبر 2014
أخفقت قوات الأمن في منع أعمال العنف (مجيد/فرانس برس)
+ الخط -

تعاني مدينة كراتشي عاصمة إقليم السند، جنوبي باكستان، منذ سنوات عدة من ظاهرة العنف الدموي التي تحصد أرواح العشرات بشكل يومي ومتواصل. وعلى الرغم من مرور نحو عام على الحملة الأمنية التي أعلنتها أجهزة الأمن الباكستانية في سبتمبر/أيلول من العام الماضي، بالتعاون مع القوات الخاصة "الرينجرز" التابعة للجيش الباكستاني، ظلّ الوضع الأمني في كراتشي مأساوياً للغاية، وفشلت أجهزة الأمن في التصدّي لأعمال العنف التي تدمر أمن المدينة واستقرارها.

ويشير تقرير لأجهزة الأمن الباكستانية إلى أن أعمال العنف في كراتشي حصدت خلال العام الماضي "من أكتوبر/تشرين الأول 2013 حتى أكتوبر/تشرين الأول 2014"، أرواح أكثر من ألفي شخص بينهم علماء الدين ونشطاء الأحزاب السياسية وعناصر الأمن وعامة المواطنين، بالإضافة إلى مقتل 187 من رجال الشرطة والقوات الخاصة ومسؤولي الأمن.

كذلك ادّعت الأجهزة مقتل واعتقال الآلاف من أعضاء وعناصر العصابات والجماعات المسلّحة، بينهم قيادات ميدانية في حركة "طالبان" والجماعات المحظورة كجماعة "جند الله" و"جيش الصحابة" و"جيش محمد" وغيرها من الجماعات.

لكن كل الأحاديث تبقى مجرد ادعاءات لا تأثير لها على أرض الواقع، فأعمال العنف والقتل المستهدف والتفجيرات لا تزال متواصلة وتركزت في الآونة الأخيرة على علماء الدين، بعد مقتل ثلاثة من علماء الدين هم العلامة، أكبر كميلي، نجل العلامة عباس كميلي، ورئيس قسم الدرسات الإسلامية بجامعة كراتشي، شكيل أوج، ومولانا مسعود بيك أحد أقارب العالم الشهير مفتي نعيم، في شهر سبتمبر/أيلول الماضي وحده.

ويقول المحلل الأمني، أفتاب خان، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "استهداف علماء الدين محاولة لإشعال فتيل حرب طائفية في مدينة كراتشي، ودون شك أن الصراع الطائفي يتجذر في المدينة في ظل غياب خطة حكومية متكاملة للحد من أعمال العنف الذي دمر حياة الخاصة والعامة".

ونظراً لارتفاع وتيرة العنف، دعت أحزاب سياسية عدة، من بينها "الحركة القومية المتحدة" التي يتزعمها إلطاف حسين، وحزب "عوامي القومي البشتوني" الذي يتزعمه أسنفديار والي، الجيش الباكستاني إلى شن عملية عسكرية في المدينة على غرار العملية في مقاطعة شمال وزيرستان ضد "طالبان"، لكن الحكومة الباكستاينة ترفض ذلك وتؤكد أن أجهزة الأمن قادرة على التصدي للعنف، وإحلال الأمن في المدينة.

وكان رئيس الوزراء الباكستاني، نواز شريف، قد أعلن في سبتمر/أيلول 2013 عملية أمنية بالتعاون مع القوات الخاصة "الرينجرز" التابعة للجيش الباكستاني. كما منحت الحكومة السلطات الأمنية صلاحيات إضافية من خلال المصادقة على قانون "حماية باكستان" الذي يسمح بموجبه لأجهزة الأمن توقيف أشخاص مشتبه بهم لمدة تسعين يوماً من دون توجيه التهم إليهم، ويمنح القانون لقوات الأمن حق إطلاق النار على أي شخص يشتبه به، من دون وجود أدلة.

ومن أهم أسباب الانفلات الأمني في مدينة كراتشي وجود جماعات مسلحة، في مقدمتها حركة "طالبان باكستان"، التي تستهدف مسؤولين أمنيين، وتنفذ هجمات تفجيرية ضد قوات الأمن والحكومة. بالإضافة إلى الصراعات الطائفية والعرقية التي شهدت تصعيداً ملحوظاً في الآونة الأخيرة، لا سيما بعد اغتيال علماء الدين واستهداف شخصيات دينية بارزة على خلفية تلك الصراعات.

ومما يزيد الطين بلة وجود أذرع عسكرية للأحزاب السياسية، تتقاتل في ما بينها، وقد أثبتت السلطات الأمنية أن الأجنحة العسكرية لعدد من الأحزاب السياسية متورطة في أعمال العنف في كراتشي، وتم اعتقال أعداد كبيرة من عناصر تلك الجماعات على خلفية أعمال العنف.

ولم تقتصر أعمال العنف وعمليات القتل المستهدف على كراتشي فحسب بل امتدت إلى مدن أخرى، في مقدمتها مدينة كويتا عاصمة إقليم بلوشستان ومدينة بيشاور عاصمة إقليم خيبربختونخوا.

وفي مدينة كويتا، يتعرض عناصر الأمن وأبناء الأقلية الشيعية "قوم هزاره" لأعمال عنف، تنفذها الجماعات المحظورة مثل "جيش الصحابة"، والحركات الانفصالية البلوشية، حسب التقارير الاستخباراتية.

وأما في مدينة بيشاور، فيتعرض زعماء القبائل وعناصر الأمن، وحتى المدرسون والمدرسات في مدارس البنات الحكومية والشخصية، لأعمال عنف متواصلة، وكانت مديرة مدرسة حكومية للبنات بمدينة شبقدر قد تعرضت لهجوم المسلحين الجمعة الماضية، ما أدى إلى مقتلها على الفور.

كذلك طالت بعض تلك الهجمات أبناء الأقلية السيخية، إذ قُتل ثلاثة من أبناء الأقلية في هجمات مختلفة خلال أسابيع ماضية في بيشاور، المجاورة للمقاطعات القبلية الباكستانية. وتذكر إحصائية أجرتها بعض وسائل الإعلام المحلية، أن أعمال العنف في بيشاور حصدت أرواح 1815 شخصاً خلال سبعة أشهر ماضية.

ويرى المراقبون أن مسلحي حركة "طالبان باكستان" والجماعات المسلحة المؤيدة لها اتخذوا من مدينة بيشاور مقراً لهم، بعد تعرضهم لعملية عسكرية للجيش الباكستاني في المقاطعات القبلية.

كما أن الصراع السياسي المتواصل بين عمران خان الذي يتزعم حكومة إقليم خيبربختونخوا ورئيس الوزراء نواز شريف قد ألقى بظلاله القاتمة على الوضع الأمني في بيشاور على وجه الخصوص وفي المدن الباكستانية الأخرى على وجه العموم.

المساهمون