07 نوفمبر 2024
فشل إلهاء الشعب بالرياضة في مصر
كثيرا ما تثور تساؤلات بشأن استخدام الأنظمة الديكتاتورية الرياضة من أجل إلهاء شعوبها عن المطالبة بالحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكذلك استخدام الرياضة في تحسين صورة الطغاة وتلميعهم وزيادة شعبيتهم. وقد عادت تلك التساؤلات، أخيرا، بمناسبة كأس الأمم الأفريقية التي انتهت قبل أيام في الغابون، بعد أن بدا وكأن النظام المصري يريد استغلالها لإيجاد حالة من الإلهاء لدى المصريين، خصوصا أنها تزامنت مع حلول ذكرى ثورة 25 يناير، بالإضافة إلى نشر صورة جمعت بين عبد الفتاح السيسي ونجم الكرة المصري محمد صلاح، بعد تبرع الأخير بمبلغ خمسة ملايين جنيه لصندوق "تحيا مصر" قبل البطولة. كما حرص السيسي على متابعة مباراة منتخبي مصر وغانا في البطولة، وحرصت الأذرع الإعلامية على إبراز رد فعل السيسي، عندما سجل المنتخب المصري هدفا في شباك المنتخب الغاني، وهو لم يكن "رد فعل" بالمعنى المفهوم، فلم يبد السيسي حراكا أو أي رد فعل عند إحراز الهدف، واكتفى بالتصفيق والضحك، عندما وجد المحيطين به يهللون ويصفقون، وكأنه انتبه فجأة إلى الهدف، ولم يكن يعرف كيف يتصرف! فجاء رد فعله مثيرا للسخرية.
من المفيد هنا استعادة تجربة نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك مع الرياضة، فقد كان مبارك ونجلاه علاء وجمال يحاولون استغلال شعبية منتخب كرة القدم إلى الحد الأقصى، عبر الظهور المتكرر مع اللاعبين ودعمهم في معسكراتهم وقبل مبارياتهم المهمة، وحضور تلك المباريات
في الاستاد، وعمل لقاءات تلفزيونية ومداخلات تليفونية بعد المباريات للتعليق عليها أو على أمور متعلقة بها، مثل مكالمات علاء مبارك عقب الأزمة الشهيرة مع الجزائر، والتي جعلت بعضهم يخمّن أنه يخطط للترشح للرئاسة، بدلا من شقيقه جمال! لكن الحقيقة أن أيا من تلك الحركات البهلوانية التي قام بها مبارك ونجلاه لم تشفع لهم على الإطلاق، فالمشكلات التي يعاني منها الشعب المصري كانت عميقة ومزمنة ومستمرة، بل وتمضي نحو الأسوأ باستمرار. كما أن النظام نفسه كان من الغباء بحيث ارتكب الأخطاء والكوارث واحدة تلو أخرى، وكأنه يدعو المصريين إلى الثورة عليه ونسيان أي إنجازات كروية قد تساهم في تخفيف حالة الاحتقان الشعبي المتصاعد، فانفجرت قضية تعذيب الشاب خالد سعيد حتى الموت بعد أشهر من عودة المنتخب المصري حاملا كأس الأمم الأفريقية للمرة الثالثة على التوالي، وجاء بعدها التزوير الفاضح لانتخابات مجلس الشعب، وتفجير كنيسة القديسين، والثورة التونسية، لتقضي تماما على فرص النظام في إنعاش نفسه، على الرغم من أن الرياضيين كانوا أكثر الفئات دعما لمبارك ونظامه، في أثناء الثورة، وأكثرهم شراسة في الهجوم على الثورة.
يمكن مماثلة هذا الأمر على حالة النظام المصري الحالي، والذي مهما فعل، ومهما حاول استغلال الرياضة للإيحاء بشعبيةٍ لم تعد موجودة، فالأزمات التي يعاني منها المصريون أصبحت أضعاف التي كانت في عهد مبارك، والأوضاع تتدهور بسرعة مذهلة، تدهش المعارضين أنفسهم، كما أن أخطاء النظام وخطاياه أكبر بكثير جدا من أخطاء الأنظمة السابقة، وهي أخطاء جعلت منه أضحوكةً وموضوعاً للسخرية، كما لم يحدث من قبل مع أي نظام آخر حكم مصر في العصر الحديث، بالإضافة إلى أن غباء النظام يتجاوز بمراحل غباء نظام المخلوع مبارك، وهل هناك دليل على غباء النظام الأسطوري أكثر من دخوله في حالة عداء مع اللاعب محمد أبو تريكة؟ من المنطقي إذا كنا نتحدث عن نظام يحاول استغلال الرياضة أن يحاول احتواء لاعبٍ يتمتع بشعبية طاغية، مثل أبو تريكة، أو على الأقل يقوم بتحييده، فلا يتعرّض له بالخير ولا بالشر، لكن أن يتحرش باللاعب بتلك الطريقة الفجة، ومصادرة أمواله وإدراج اسمه في قائمة الإرهابيين، فهي مرحلةٌ من الغباء تتجاوز حدود التصور.
ولنا أن نسأل أيضا: ما هي الاستفادة التي كان يمكن للنظام أن يحققها من مشاركة المنتخب المصري في كأس الأمم الأفريقية أخيرا؟ كل ما يمكن أن يفعله هو التواصل مع الفريق وتشجيعه وإرسال رسائل التهنئة له في حالة الفوز، واستقبال الفريق لدى عودته، والتقاط بعض الصور التذكارية (وقد فعل السيسي ذلك على الرغم من هزيمة المنتخب المصري في المباراة النهائية) ثم ماذا؟ هل سيستعيد السيسي شعبيته بهذه الصور؟ هل سيتحول معارضوه وكارهوه إلى محبين له مثلاً بعد هذا الحدث الخطير؟ كلا.
لقد وجدنا النظريات الخزعبلية نفسها عن استغلال الرياضة في السياسة، عندما تصادف أن أحالت الحكومة اتفاقية جزيرتي تيران وصنافير مع السعودية إلى البرلمان، في أثناء مباراة الديربي بين الأهلي والزمالك، وقال بعضهم وقتها إن المباراة كانت بمثابة المخدّر الذي
استعانت به الحكومة لتمرير الاتفاقية، متناسين أن النظام لا يأبه فعلا لآراء الناس، ولا لردود أفعالهم، إذ كان التوقيع على الاتفاقية في البداية علنيا، بل وفي أجواء احتفالية. كما أن قرارات تعويم الجنيه وخفض قيمته إلى النصف وزيادة أسعار البنزين بصورة كبيرة جاءت كلها قبل دعوات التظاهر يوم 11 نوفمبر/ تشرين الثاني بأيام قليلة، ثم جاء حكم محكمة القضاء الإداري بمصرية جزيرتي تيران وصنافير ليضع النظام كله في مأزق غير مسبوق.
في المقابل، فرح بعضهم بهزيمة المنتخب المصري، قائلين إن من الأفضل أن ينهزم المنتخب المصري، ولا يحقق أي إنجاز، حتى لا يستغل النظام ذلك. ولهذا السبب، قام هؤلاء بتشجيع المنتخبات المنافسة، حتى تتحقق أمنيتهم تلك، وكأن الثورة ستقوم إذا خسر المنتخب، وكأن المصريين لم يثوروا بعد عام فقط من فوزهم بكأس الأمم الأفريقية ثلاث مرات على التوالي، بالإضافة إلى أنها نظرة قاصرة جدا وخاطئة في تقييم الأمر، ليس لأن الإنجازات الرياضية لا تلهي الشعب فحسب، كما أوضحنا، بل لأن هذه النظرة تفترض أن الإنسان "بعد واحد"، بتعبير المفكر الألماني هربرت ماركوز، فهو طبقا لتلك النظرية إما أن يكون كائنا سياسيا ثائرا طوال الوقت، أو إنسانا جاهلا ملهيا بالرياضة ومباريات كرة القدم طوال الوقت، من دون تصور وجود الإنسان المركّب الذي يمكن أن يتفاعل بشدة مع المباريات، وفي الوقت نفسه، يهتم بالسياسة وبأحوال البلاد، ويمكن أن يثور يوماً مرة أخرى. ولنا في روابط الأندية الرياضية (الألتراس) أوضح نموذج لذلك، فهي متعصبة كل التعصب لفرقها، بل وتكاد حياة أعضاء تلك الروابط تدور حول النادي الذي يشجعونه فقط لا غير. لكن، عندما حلت ساعة الثورة وجدناهم يتصدّرون الصفوف ويخوضون أشرس المعارك والاشتباكات، وكأنهم ثوار بطبعهم.
والخلاصة أن أي استغلال قد يقوم به أي نظام سياسي للرياضة لن يتعدّى تأثيره أياما معدودة. هذا إذا كان هناك تأثير من الأصل، وما لم يتم حل المشكلات الحقيقية التي تعاني منها الشعوب، فإن شيئا لن يستطيع إلهاء الفقراء والجياع والمظلومين عن السبب الحقيقي في معاناتهم.
يمكن مماثلة هذا الأمر على حالة النظام المصري الحالي، والذي مهما فعل، ومهما حاول استغلال الرياضة للإيحاء بشعبيةٍ لم تعد موجودة، فالأزمات التي يعاني منها المصريون أصبحت أضعاف التي كانت في عهد مبارك، والأوضاع تتدهور بسرعة مذهلة، تدهش المعارضين أنفسهم، كما أن أخطاء النظام وخطاياه أكبر بكثير جدا من أخطاء الأنظمة السابقة، وهي أخطاء جعلت منه أضحوكةً وموضوعاً للسخرية، كما لم يحدث من قبل مع أي نظام آخر حكم مصر في العصر الحديث، بالإضافة إلى أن غباء النظام يتجاوز بمراحل غباء نظام المخلوع مبارك، وهل هناك دليل على غباء النظام الأسطوري أكثر من دخوله في حالة عداء مع اللاعب محمد أبو تريكة؟ من المنطقي إذا كنا نتحدث عن نظام يحاول استغلال الرياضة أن يحاول احتواء لاعبٍ يتمتع بشعبية طاغية، مثل أبو تريكة، أو على الأقل يقوم بتحييده، فلا يتعرّض له بالخير ولا بالشر، لكن أن يتحرش باللاعب بتلك الطريقة الفجة، ومصادرة أمواله وإدراج اسمه في قائمة الإرهابيين، فهي مرحلةٌ من الغباء تتجاوز حدود التصور.
ولنا أن نسأل أيضا: ما هي الاستفادة التي كان يمكن للنظام أن يحققها من مشاركة المنتخب المصري في كأس الأمم الأفريقية أخيرا؟ كل ما يمكن أن يفعله هو التواصل مع الفريق وتشجيعه وإرسال رسائل التهنئة له في حالة الفوز، واستقبال الفريق لدى عودته، والتقاط بعض الصور التذكارية (وقد فعل السيسي ذلك على الرغم من هزيمة المنتخب المصري في المباراة النهائية) ثم ماذا؟ هل سيستعيد السيسي شعبيته بهذه الصور؟ هل سيتحول معارضوه وكارهوه إلى محبين له مثلاً بعد هذا الحدث الخطير؟ كلا.
لقد وجدنا النظريات الخزعبلية نفسها عن استغلال الرياضة في السياسة، عندما تصادف أن أحالت الحكومة اتفاقية جزيرتي تيران وصنافير مع السعودية إلى البرلمان، في أثناء مباراة الديربي بين الأهلي والزمالك، وقال بعضهم وقتها إن المباراة كانت بمثابة المخدّر الذي
في المقابل، فرح بعضهم بهزيمة المنتخب المصري، قائلين إن من الأفضل أن ينهزم المنتخب المصري، ولا يحقق أي إنجاز، حتى لا يستغل النظام ذلك. ولهذا السبب، قام هؤلاء بتشجيع المنتخبات المنافسة، حتى تتحقق أمنيتهم تلك، وكأن الثورة ستقوم إذا خسر المنتخب، وكأن المصريين لم يثوروا بعد عام فقط من فوزهم بكأس الأمم الأفريقية ثلاث مرات على التوالي، بالإضافة إلى أنها نظرة قاصرة جدا وخاطئة في تقييم الأمر، ليس لأن الإنجازات الرياضية لا تلهي الشعب فحسب، كما أوضحنا، بل لأن هذه النظرة تفترض أن الإنسان "بعد واحد"، بتعبير المفكر الألماني هربرت ماركوز، فهو طبقا لتلك النظرية إما أن يكون كائنا سياسيا ثائرا طوال الوقت، أو إنسانا جاهلا ملهيا بالرياضة ومباريات كرة القدم طوال الوقت، من دون تصور وجود الإنسان المركّب الذي يمكن أن يتفاعل بشدة مع المباريات، وفي الوقت نفسه، يهتم بالسياسة وبأحوال البلاد، ويمكن أن يثور يوماً مرة أخرى. ولنا في روابط الأندية الرياضية (الألتراس) أوضح نموذج لذلك، فهي متعصبة كل التعصب لفرقها، بل وتكاد حياة أعضاء تلك الروابط تدور حول النادي الذي يشجعونه فقط لا غير. لكن، عندما حلت ساعة الثورة وجدناهم يتصدّرون الصفوف ويخوضون أشرس المعارك والاشتباكات، وكأنهم ثوار بطبعهم.
والخلاصة أن أي استغلال قد يقوم به أي نظام سياسي للرياضة لن يتعدّى تأثيره أياما معدودة. هذا إذا كان هناك تأثير من الأصل، وما لم يتم حل المشكلات الحقيقية التي تعاني منها الشعوب، فإن شيئا لن يستطيع إلهاء الفقراء والجياع والمظلومين عن السبب الحقيقي في معاناتهم.