ولد بلكاهية في مراكش عام 1934، وأمضى معظم طفولته في منطقة أمزميز، إحدى ضواحيها. ولعُ والده بالفن، ترك أثراً بليغاً على ابنه، وعلى ميوله الفنية التي ظهرت باكراً. في سن الخامسة عشرة، تجلّى نبوغ بلكاهية الفني في أولى لوحاته التي كانت تأخذ منحى تعبيرياً، ما جعل أحد أصدقاء والده يتوسّط له لدى الكاتب الفرنسي فرانسوا مورياك، الذي هيأ له ظروف الإقامة في المعهد الكاثوليكي في باريس، ثم ساعده للدخول إلى "مدرسة الفنون الجميلة" حيث درس الرسم في محترفات الفنانَين بريانشون ولوغول.
وفي عام 1959، شدّه صدى الشيوعية إلى مدينة براغ حيث تابع دروساً في السينوغرافيا في "أكاديمية المسرح". وبعد عودته إلى المغرب، اقترح عليه الأمين العام لنقابة "الاتحاد المغربي للشغل"، المحجوب بن الصديق، عام 1962، تولي إدارة "مدرسة الفنون الجميلة " في الدار البيضاء، خلفاً للرسام الفرنسي موريس أراما، فاضطلع بتلك المهمة حتى 1974.
سيتابع بلكاهية عام 1965 دروس "أكاديمية بريرا للفنون" في مدينة ميلانو الإيطالية وهي المرحلة التي تعرّف خلالها إلى العديد من الفنانين الإيطاليين المهمين، مثل كاستيلاني وكونيليس وبونالومي وفونتانا ويصبح، إلى جانب بعض الوجوه الفنية التي كانت تعمل في "مدرسة الفنون الجميلة"، مثل الفنانين محمد المليحي، محمد شبعة، محمد حميدي، مصطفى حفيظ، والناقدة الإيطالية طوني مارايني والمجمِّع الهولندي بيرت فلينت؛ طرفاً أساسياً في المناقشات الفنية التي استندت على خلفية سياسية وأيديولوجية لا تخفي انحيازها إلى معسكر اليسار العالمي والوطني. مناقشات كانت محتدمة داخل جدران المدرسة المذكورة، قبل أن تنتقل إلى الشارع مع "معرض مراكش" (1969)، خالقةً الحدث في أوساط الفنانين والكتّاب والمثقفين "الحداثيين".
أولى المبادرات التي أقدم عليها بلكاهية، برفقة فريق عمله داخل "مدرسة الفنون الجميلة"، كانت استبدال النماذج القديمة التي كانت تعتمدها الإدارة الفرنسية السابقة في عملية التدريس، بأخرى تنتمي إلى التراث التشكيلي المغربي، الحضري أو القروي، إضافةً إلى إصدار نشرة بعنوان Maghreb Art، كانت تعنى بنشر نصوص تنحو منحى تأصيلياً للتجربة الفنية المغربية، بما يعنيه ذلك من استحضار لبعد هذه التجربة الحِرَفي الجماعي، وأصولها الشعبية الأمازيغية والعربية والأفريقية.
"فجر"، صباغ على جلد، 30 × 36 سم (1983) |
وفي الفترة نفسها، شهدت هذه المدرسة إطلاق مبادرة مشتركة مع عدد من الكتّاب والشعراء والسينمائيين المغاربة، خصوصاً فريق مجلة "أنفاس" الناطقة باللغة الفرنسية، التي تعاون داخلها كل من الشاعر عبد اللطيف اللعبي والباحث الراحل عبد الكبير الخطيبي والشاعر مصطفى النيسابوري وآخرين. وقد أسفرت اللقاءات الأولى مع هذا الفريق عن إعداد ملف خاص بالتشكيل المغربي، يعتبر الأول من نوعه من حيث مساءلته الناضجة لهذه التجربة بجرأة وعمق وحرفية وتنوّع.
ومع الوقت، اتّسعت دائرة هذا الانفتاح الفني، سنوات، خصوصاً بعد تأسيس "الجمعية المغربية للفنون التشكيلية" عام 1972، ما أفضى إلى تنسيق آخر مع "اتحاد كتاب المغرب" باعتباره يضم المفكرين والمثقفين والأدباء من ذوي الميول اليسارية الواضحة، الأمر الذي تُوّج بإصدار مجلة "الإشارة" المشتركة بين الاتحاد والجمعية. انفتاح شكّل فرصة للتأسيس لتفكير جذري وتاريخي يسائل التجربة التشكيلية المغربية، ثم لابتكار وإبداع ممارسات فنية اعتُبرت، في حينه، جديدة حتى بالنسبة إلى بعض البلدان الغربية التي راكمت تجارب فنية مهمة.