فرنسا 2016: اعتداءات إرهابية ومفاجآت سياسية مدوية (فيديوغراف)

باريس

عبد الإله الصالحي

avata
عبد الإله الصالحي
29 ديسمبر 2016
E20C34BA-B3F1-4DB6-9B40-9E958AE6EDD2
+ الخط -
دخلت فرنسا عام 2016 وهي في حالة طوارئ أمنية غير مسبوقة، متخبطة في حالة قلق جماعية بعد اعتداءات 13 نوفمبر/تشرين الثاني في باريس وسان دوني، التي أسفرت عن مقتل 130 شخصًا. وفي خضمّ الإجراءات الاستثنائية التي اقترحتها السلطات لمحاربة الإرهاب، تقدم الرئيس فرانسوا هولاند بمشروع تعديل دستوري يتضمن بندًا خاصًّا بسحب الجنسية من الفرنسيين الضالعين في قضايا الإرهاب، وخلق جدلًا كبيرًا لكونه يستهدف بالأساس أبناء المهاجرين من أصول عربية ومسلمة. 

هذا الجدل أطاح مبدأ الوحدة الوطنية في مواجهة خطر الإرهاب، وانتقل السجال بسرعة إلى داخل صفوف الغالبية الحكومية، وأدت ثمنه وزيرة العدل، كريستيان توبيرا، التي اضطرت إلى تقديم استقالتها أواخر يناير/كانون الثاني الماضي، احتجاجًا على إصرار هولاند وفالس على فرض هذا المشروع بالقوة. وشكّلت هذه المعركة السياسية هزيمة فادحة لهولاند، الذي اضطر في 30 مارس/آذار الماضي إلى الإعلان عن تخليه رسميًّا عن مشروع تعديل الدستور، بعد أن تبلورت غالبية من النواب اليمينيين واليساريين ترفض التصويت عليه في البرلمان ومجلس الشيوخ.


ولم تمنع التهديدات الإرهابية وتداعياتها الأمنية الشارع الفرنسي من الاهتمام بالقضايا الاجتماعية، حيث انتفضت النقابات نهاية شهر يناير/كانون الثاني الماضي إثر كشف وزيرة العمل، مريم الخمري، عن مشروع حكومي لإصلاح قانون العمل.

وفوجئت الحكومة الاشتراكية، بقيادة مانويل فالس، بحجم الغضب الشعبي، إذ نزل مئات الآلاف من المحتجين إلى شوارع كبريات المدن الفرنسية بشكل أسبوعي، رغم حالة الطوارئ والاستنفار الأمني، مطالبين بإسقاط مشروع القانون، الذي اعتبروه مسًّا بمكتسبات تاريخية لحقوق العمال، وانحيازًا إلى أرباب العمل والشركات الكبرى، التي سيخوّلها القانون الجديد حرية أكبر في صرف العمال بحد أدنى من التعويضات.





وبعد حوالي خمسة أشهر من الاحتجاجات، التي تخللتها أحيانًا أعمال عنف واشتباكات بين المحتجين ورجال الأمن، تبنت الحكومة مشروع القانون وفرضته بالقوة، بعد التجاء مانويل فالس إلى البند 49.3 من الدستور الذي يسمح للحكومة، بشكل استثنائي، بتمرير القوانين من دون التصويت عليها في البرلمان. وهذا ما مكّنه من الالتفاف حول معارضة عدد من النواب الاشتراكيين للمشروع. وخلقت هذه المبادرة الحكومية المزيد من الخلافات في صفوف العائلة الاشتراكية، وقوَّت شوكة تيار "الساخطين" اليساري، الذي ينتقد التوجه الليبرالي والإصلاحي الذي يمثله هولاند وفالس.

وكانت ولادة حركة احتجاجية جديدة من رحم التظاهرات ضد قانون العمل في ساحة الجمهورية بقلب العاصمة باريس من بين أهم الأحداث التي طبعت عام 2016. فقد غلب على تلك الحركة الطابع الشبابي واليساري، ودامت حوالى ثلاثة أشهر، باعثة آمالًا جديدة في تأسيس حركة سياسية بديلة، أسوة بحركة "بوديموس" اليسارية الراديكالية الإسبانية.

وطالب المحتجون بالتراجع عن قانون العمل، ونظّموا اعتصامات ليلية تخللتها نقاشات جماعية حول مواضيع السياسة والمجتمع والاقتصاد، بحضور مجموعة من المثقفين والفنانين والفاعلين السياسيين. غير أن هذه الحركة، التي خلقت جدلًا إعلاميا كبيرًا، ما لبثت حتى انطفأت بالتدريج، وتلاشت نهائيًّا بعد أن فشل منظموها في كسب تعاطف شعبي وازن ومتجذر.


وفي ليلة الاحتفال بالعيد الوطني 14 يونيو/حزيران، اهتزت فرنسا مرة أخرى على وقع اعتداء إرهابي في مدينة نيس تجاوزت فظاعته توقعات الأجهزة الأمنية. فقد أقدم مهاجر تونسي، يدعى محمد لحويج بوهلال، على دهس الحشود المحتفلة في ساحة وسط المدينة بشاحنة نقل ضخمة، ما أدى إلى مقتل 86 شخصًا وجرح العشرات. وثبت بعد التحقيقات أن منفذ العملية أعلن ولاءه لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وأنه خطط بإحكام لهذه العملية، ونجح في تنفيذها، رغم الإجراءات الأمنية المشددة. وخلق هذا الاعتداء جدلًا حاميًا بين الحكومة والمعارضة اليمينية، التي اتهمت السلطات بالتقصير الأمني.

ورغم تمديد حالة الطوارئ، استمر مسلسل الاعتداءات الإرهابية، التي تحولت إلى كابوس يعيش الفرنسيون على إيقاعه بشكل يومي. واهتزّت البلاد مرة أخرى في عز الصيف، إثر عملية اغتيال مفتش شرطة وزوجته ذبحًا في ضاحية مانينفيل، وأيضًا اغتيال كاهن في كنيسة ببلدة "سانت ايتيان دوروفري" بمنطقة نورماندي.





وبموازاة الاعتداءات الإرهابية، تصاعدت موجة العداء للإسلام والمواطنين المسلمين في فرنسا، والتي غذّتها بقوة تصريحات اليمين المتطرف، بقيادة حزب "الجبهة الوطنية"، وأيضًا قسم مهم من اليمين التقليدي في حزب "الجمهوريون"، الذي بات يزايد ضد الإسلام لغايات انتخابية. وانحلّت عقدة لسان الكثير من الشخصيات السياسية والثقافية، وباتت لا تجد حرجًا في مهاجمة الإسلام والمسلمين في وسائل الإعلام، وكيل الاتهامات السريعة والمستفزة، كما تعرضت عشرات المساجد والمراكز الثقافية ومواطنون عاديون من أصول عربية للعديد من الاعتداءات العنصرية.

وانشغلت وسائل الإعلام، خلال موسم الصيف، بقضية لباس البحر الشرعي "بوركيني"، بعدما قررت عدة بلدات ساحلية في جنوب فرنسا منع ارتدائه على الشواطئ، وهو ما أثار جدلًا سياسيًّا وقانونيًّا بين الجمعيات المدافعة عن حقوق الإنسان والمسؤولين السياسيين.

ومن أهم الأحداث التي شغلت الساحة الفرنسية في هذا العام، قضية مخيم "كاليه" للاجئين، الذي ضم حوالي 7 آلاف لاجئ تكدسوا في المخيم في انتظار الفرصة للعبور إلى الأراضي البريطانية، وسط أوضاع إنسانية وصحية بائسة. وتحوّل المخيم إلى مشكلة وطنية وموضوع مزايدة سياسية ساخنة، ما أدى بالسلطات إلى إفراغه نهائيًّا وإزالته في نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعد نقل ساكنيه إلى مراكز متفرقة في عدة مدن فرنسية، والبدء في عملية تسوية قانونية لوضعيتهم.


واتخذ نهاية 2016 منحى مدوّيًا على المستوى السياسي، إذ أسفرت نتائج الانتخابات التمهيدية في صفوف اليمين والوسط من أجل اختيار مرشح للانتخابات الرئاسية عن مفاجأة تمثلت في إقصاء مبكّر في الدورة الأولى للرئيس السابق نيكولا ساركوزي، الذي أعلن بعدها اعتزال العمل السياسي.

وفاز فرانسوا فيون في هذه الانتخابات بفضل خطاب يميني وليبرالي متشدد، بعد أن هزم رئيس الوزراء الأسبق، ألان جوبيه، في الدورة الثانية في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، رغم أن استطلاعات الرأي كانت تضعه في المرتبة الثالثة بعد ساركوزي وجوبيه.

وبلغت مفاجآت العام السياسية ذروتها في ليل الأول من ديسمبر/كانون الأول الماضي، حين أعلن هولاند في خطاب متلفز أنه سيتخلى عن ترشيح نفسه لولاية رئاسية ثانية، في سابقة هي الأولى من نوعها منذ عام 1958، إذ لم يسبق لأي رئيس فرنسي منتهية ولايته أن تخلى عن ترشيح نفسه لولاية إضافية منذ ذلك التاريخ. وفتح تخلي هولاند الباب لرئيس وزرائه، مانويل فالس، ليرشح نفسه للانتخابات التمهيدية في صفوف اليسار، التي ستنظم في شهر يناير/كانون الثاني العام المقبل.


ذات صلة

الصورة
معرض يورونيفال في فرنسا، 27 أكتوبر 2008 (Getty)

سياسة

بعد منع فرنسا مشاركة الشركات الإسرائيلية في معرض الأسلحة يوروساتوري، ها هي تمنع الآن أيضاً مشاركة إسرائيل في معرض يورونافال.
الصورة
امرأة في منطقة الصحراء، 3 فبراير 2017 (Getty)

سياسة

دخلت العلاقات بين فرنسا والجزائر في أزمة بعد إعلان فرنسا دعمها مخطط الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب بشأن الصحراء وهو ما قد لا يساعد في حل القضية.
الصورة
تنظيم داعش/فرنسا

سياسة

رفعت فرنسا، أول من أمس الأحد، مستوى التأهب الأمني إلى الدرجة القصوى، وذلك في أعقاب هجوم موسكو الدموي الذي تبناه تنظيم "داعش"، مستعيدة تهديدات عدة للتنظيم.
الصورة

منوعات

تراجعت مجلة فوربس عن حفل تكريم أكثر 40 امرأة تأثيراً في فرنسا، وذلك بعد حملة تحريض في باريس، على المحامية من أصول فرنسية ريما حسن