فرنسا والمزايدات حول الإسلام

18 فبراير 2015
ساهَمت أحداث "شارلي إيبدو" في تصاعد الإسلاموفوبيا (فرانس برس)
+ الخط -

لا تزال الطبقة السياسية الفرنسية، رغم مرور أكثر من شهر على اعتداءات باريس الدامية، تضع الإسلام، الديانة الثانية في البلد، تحت مجهرها، مطلقة العنان لمزايدات يبدو فيها كل شيء مباحاً. وفيما يعلن بعض المسلمين تقديم مرشحين في الانتخابات المقبلة، تحت شعار حزبهم "اتحاد الديمقراطيين المسلمين في فرنسا"، يسارع البعض الآخر إلى التحذير من هذه الخطوة "الطائفية"، غير مأمونة العواقب.

في غضون ذلك، تصل مبيعات رواية "استسلام" للروائي ميشيل ويلبيك، والتي تتنبأ بوصول مسلم إلى رئاسة الجمهورية الفرنسيّة سنة 2022، إلى 500 ألف نسخة في فرنسا، بينما حققت الترجمة الألمانية مبيع 300 ألف نسخة، وتجاوزت الإيطالية 200 ألف نسخة.

لم تتردّد إدارة جامعة باريس الثالثة عشرة، في وقف أستاذ عن التدريس، بعدما نُقل عنه قوله، في الثاني من الشهر الحالي، إنّه "لم يكن ينتظر بعد اعتداءات شارلي إيبدو أن يُلقي درساً أمام طالبة محجبة". وبرر الأستاذ، الذي يمارس مهنة التدريس منذ 28 عاماً، موقفه بـ"معارضته ارتداء أو وضع إشارات دينيّة في الفضاء العمومي". وجاء ردّ إدارة الجامعة، على لسان رئيسها، واضحاً: "ارتداء الحجاب مسموح به في الجامعة، وإذا كان أستاذٌ ما، بل ومحام يعرف القانون، يسمح لنفسه بهذا التمييز، فإن أول ما يجب القيام به هو إيقافه".

لم تكن تلك الحادثة الأولى؛ ففي مطلع السنة الدراسيّة، وصف أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة "إيكس أون بروفانس"، طالبة مسلمة بأنها "حصان طروادة للإسلاموية". وتأتي هذه الأحداث في وقت يريد فيه النائب عن حزب "الاتحاد من أجل حركة شعبية"، إيريك سيوتي، المقرّب من رئيس الحكومة الأسبق فرانسوا فيون، حظر الحجاب في الجامعات الفرنسيّة. ويقدّم مشروع قانون عن "الحجاب الإسلامي"، بعدما طالبت قيادة الحزب بتنفيذه بعد اعتداءات شارلي، وهو ما يعارضه فيون ووزيرة التعليم العالي السابقة فاليري بيكريس.

ويبدو أنّ سيوتي، الذي يُعرف بإطلالاته الإعلامية المتكررة ضد مسلمي فرنسا، وبرغبته في تصفية المقاتلين الفرنسيين في سورية والعراق ومنع عودتهم وتجريد من يصل منهم من جنسيته الفرنسية، يُخطط لأن يشمل قانون سنة 2004، الذي يحظر ارتداء الحجاب في المدارس والثانويات العموميّة وفجّر ظاهرة الإسلاموفوبيا في فرنسا، الجامعاتِ أيضاً. ويعزو الأمر إلى تصاعُد "المَطالب الدينية". لكنّ الفكرة لا تروق، على ما يبدو، لرئيس الحزب، الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، الذي عهد إلى مستشاره السابق هنري غينو، بتشكيل مجموعة عمل للتفكير حول "مكانة الإسلام في الجمهورية"، علماً أنّ الأخير اعتبر اقتراح سيوتي غير ملائم.

وفي سياق متّصل، كرّست صحيفة لوفيغارو اليمينية، أربع صفحات، من بينها الصفحة الأولى، لموضوع "مسألة الإسلام في قلب النقاش السياسي"، وذلك بعد تصريحات أخيرة لرئيس الوزراء مانويل فالس، أعرب فيها عن رغبته في إطلاق استشارات من أجل "مكافحة تأثير الإخوان المسلمين والسلفيين في فرنسا".

ولم يتأخر فالس في بدء هذه الاستشارات بنفسه، بطرحه أمام مجلس الشيوخ الفرنسي، يوم الخميس الماضي، "مستقبل تنظيم الديانة الإسلامية في فرنسا"، معتبراً أن بلاده "في حرب ضد الإرهاب والجهاديّة والإسلامويّة الراديكالية".

وبالطبع، سيشارك المجلس الفرنسي للديانة الإسلاميّة في هذه النقاشات، لكنّه لن يكون في موقع قوة، بعدما اعترف الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، صراحة، بفشل هذا الهيكل في التأثير على مسلمي فرنسا، وقوله إنّه "لا يملك القدرة على فرض عدد من القواعد والمبادئ على عموم التراب الفرنسي".

وفي كلّ مرة تطفو فيها مسألة التمويل الآتي من بلدان إسلاميّة، إلى السطح، يبدو أنّ القرار الرسمي اتخذ بشأن تكوين الأئمة في فرنسا. المسألة ليست سهلة، كما يعرف الساسة الفرنسيون. ولهذا عبّر فالس عن أمله ألا "تُتخذ رهاناً انتخابياً"، يمكن أن يسهم في تقسيم البلد. لكن الاشتراكيين يعترفون بأنّ ما بعد اعتداءات "شارلي إيبدو" ساهَم في "تصاعد الإسلاموفوبيا"، وسمح لحزب الجبهة الوطنية العنصري بالحديث عن "الخطر الإسلاموي"، وفتح النقاش أمام الرأي العام الفرنسي. ولعلّ الصعوبة الكبيرة التي صادفها الحزب الاشتراكي في الاحتفاظ بمقعده النيابي في مدينة دوبس، أمام مرشحة عن الحزب اليميني المتطرف، لا شيء مُحرَّما لديها، إلا الدليل على أن الموضوع أفلت من عقاله.

في غضون ذلك، يعود الحديث في فرنسا عن حزب فرنسي ذي توجهات إسلامية تأسس سنة 2012، على يد نجيب أزرغي، وهو "اتحاد الديمقراطيين المسلمين في فرنسا"، بعدما أعلن قبل أيام، رغبته بتقديم مرشحين في كثير من مناطق فرنسا، تحت قيادة أمير مغربي. وفيما يستوحي هذا الحزب تجربتي "الحزب الديمقراطي المسيحي" في فرنسا (تترأسه كريستين بوتان)، و"الاتحاد الديمقراطي المسيحي" في ألمانيا، ويناضل لدعم نظام المصارف الإسلامية، وتشجيع اللحم الحلال، وتدريس اللغة العربية، وحق التصويت للأجانب في الانتخابات البلدية، والحق في ارتداء الحجاب، وكذلك دخول تركيا في الاتحاد الأوروبي، وأخيراً رفع الحصار عن غزة، والاعتراف بالدولة الفلسطينية، إلا أنّه ما كان له أن يحظى بهذه التغطية، لولا الجو السائد في فرنسا بعد اعتداءات يناير/كانون الثاني الماضي.

ومن الطبيعي أن يكون حزب "الجبهة الوطنية" المتطرّف، أول من انتقد مشروع هذا الحزب الفرنسي ذي التوجّهات الإسلامية، فقد صرح الرجل الثالث في الحزب، فلوريان فيليبو، بـ"أن تقديم هذا الحزب مرشحين في الانتخابات، ليس علامة جيدة ولا يشكل حظّاً، لا لفرنسا ولا لمواطنينا المسلمين، بل يشجع على الفوارق". وقال: "الأمر خطير، لأن هذا الحزب يتوجه إلى طائفة محددة، ولأن كلمة مسلمين تَرِد قبل كلمة فرنسا".

المساهمون