فرنسا "الرسمية" تجد نفسها في ضاحية سارسيل اليهودية

22 يوليو 2014
تتحمّل رابطة "الدفاع اليهودي" مسؤولية أعمال العنف (أوريليان مونييه/Getty)
+ الخط -


يزداد التعامل التفضيلي لليهود على العرب، في فرنسا، كل يوم، وكأن الدولة سخّرت كل قدراتها لهذا الشأن. فعدا تصريحات رئيس الجمهورية، فرانسوا هولاند، ورئيس الحكومة، مانويل فالس، ووزير خارجيته، لوران فابيوس، المؤيدة لليهود، ها هو وزير الداخلية، برنار كازنوف، يزور مدينة سارسيل، في ضواحي باريس (حيث تقيم جالية يهودية قوية، وأخرى عربية)، للتضامن مع الجالية اليهودية هناك، ضدّ ما اعتبره "أعمالاً معادية للسامية، ارتكبت ضدهم في تظاهرة، أمس الاثنين"، التي نظّمها شباب مناصر للشعب الفلسطيني، رغم حظر وزارة الداخلية.

ويبدو أن الماكينة الإعلامية الصهيونية تعمل بقوة هذه الأيام، وعلى مدار الساعة، على الساحة الفرنسية من أجل "استيراد الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إلى فرنسا"، حسبما ينوون، عن طريق التظاهرات المؤيدة للشعب الفلسطيني. وهذا ما فعلته صحيفة "ليبراسيون" حين عنونت على صفحتها الأولى في عدد أمس الاثنين: "غزة، حربٌ هناك، مصنع للبارود، هنا".
وكشف مدير التحرير، لوران جوفران، ميوله الصهيونية في مقال بعنوان "بروباغاندات"، وبدأ في تحميل التظاهرات المؤيدة للشعب الفلسطيني ضد المحرقة الصهيونية في غزة، مسؤولية ما أسماه بـ"العنف"، واعتبر أن "كره اليهودي هو ما يُحرّك هؤلاء الفاعلين"، وطالب بإدانتهم وعقابهم بشدّة.


وحاول جوفران دقّ إسفين الخلاف بين مكوّنات الجالية الإسلامية، فأحصى "فقط"، 20 ألف متظاهر في مجموع التظاهرات لجالية يبلغ عديدها حوالي ستة ملايين نسمة. كما تحدث عن "عدد متساوٍ من اليسار المتطرّف ومن شباب الضواحي في تظاهرة باريس".
وبعد تحليله شعور غالبية مسلمي فرنسا، من خلال عنصريّ "الحذر" أو "الخمول"، اعتبر أن "الأكثرية ترفض الانضواء في أي حزب طائفي وأيّ لوبي منظم، ولا تقدّم لوائح انتخابية طائفية في الانتخابات، وتعبّر عن نفسها من خلال ممثلين رسميين، يدافعون عن الجمهورية".
وأبدى أسفه لكون "وسائل الإعلام لا تسلّط عليهم الأضواء بما يكفي". وقصد جوفران عمدة مسجد باريس، الجزائري دليل بوبكور الذي لا يُخفي صداقاته مع زعماء الطائفية اليهودية. وإذا كان خطيب مسجد باريس قد ندّد في خطبة الجمعة الماضية، بـ"مجازر غزة"، وطالب بـ"نصرة أهل الرباط فيها"، فإن عمدة المسجد صدّق الرواية اليهودية والفرنسية الرسمية لأحداث العنف التي تلت تظاهرة باريس، وأصدر بياناً طالب فيه المسلمين بـ"عدم الاعتداء على أماكن العبادة اليهودية"، قبل أن يخرج الحاخام، حاييم كورسيا، ويؤكد أن "الكنيس لم يتعرّض لأي تهديد أو اعتداء".
ولأن جوفران لا يتقبّل في فكره وعقله، أن يغضب مسلمو فرنسا وشبابهم لجرائم إسرائيل في غزة، فقد بدأ البحث عن "مثيري الشغب" ويصفهم بـ"أقلية متعصبة تريد الاستفادة من أحداث غزة لِغَرس بيادقها".
وكتب في تحليله الغريب "توجد في ثنايا الحركات الراديكاليةٍ تياراتٌ معادية للسامية، يُعتبَر (الفكاهي الساخر) ديودوني (مبالا مبالا)، مع المفكر، (آلان) سورال، من معلميها الروحيين، تريد توحيد حقدها ضد اليهود، مع أيديولوجيا المجموعات المؤيدة للفلسطينيين، وتجد صدى لها في الجماعات الإسلاموية الأكثر تطرفاً، وفي فريق من الشباب المسلم".
وحاول جوفران في الفقرة الأخيرة من افتتاحيته المنحازة ليهود فرنسا، أن يبدو محايداً، فطالب مسؤولي الجالية اليهودية بـ"تحمّل مسؤوليتهم"، وحذّرهم من "مخاطر الاصطفاف خلف خطاب (رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين) نتنياهو، وخصوصاً في سياسته الاستيطانية".
بدا جوفران وكأنه يعترف، بخجل، بمسؤولية "رابطة الدفاع اليهودي" في العنف في فرنسا، ودعا الجالية اليهودية الى إدانة أعمال الرابطة "العنيفة والعنصرية، التي هي مجموعة متعصبة محظورةٌ في العديد من الدول". وختم "كل معسكر يتضمن متطرفيه!".

وتضمّنت الصحيفة حواراً مطوّلاً مع جيل كيبل، الذي يقدم نفسه باعتباره "متخصصاً في الإسلام والعالم العربي"، والذي يكتشف القارئ في كل مرة خطأ تحليلاته، فهو كان من أوائل من تحدث في تسعينات القرن الماضي عن "أفول الإسلاموية السياسية" فإذ بالوقائع تكذبه.
وتحدث كيبل عن "الإسلام الفرنسي" فناقض جوفران قائلاً: "بعد مسيرة أبناء المهاجرين الشهيرة في فرنسا سنة 1983، التي ركبت عليها حركة إس أو إس العنصرية، لم تُخلق نُخبة سياسية منحدرة من الهجرة، قادرة على تقديم نموذج للاندماج. ومن هنا هذا الفراغ الكبير واليأس المرتكز على البؤس الاجتماعي والاقتصادي. ومن هنا تمدّد الإسلامويين، الذين ظهروا وكأنهم مخلِّصون حين اختفت مؤسسات الدولة من المَشهد".
وأضاف "كان من الضروري انتظار عام 2005، بعد انتفاضة الضواحي، حتى نرى وصول شباب منحدرين من الهجرة إلى الحلبة السياسية. نحن ندفع ثمن عشرين سنة من القصور السياسي. ونشهد للمرة الأولى، في بعض المدن الشعبية، تصويتاً إسلامياً يحرّكه فاعلون معروفون". وأشار إلى أننا "لم نعد أمام تلك المواجهة، بين سكان يتلقون الخدمات والمساعدات وبين السلطات، بل بات الأمر يتعلّق بناخبين يعبّرون عن أنفسهم ويُسمِعون أصواتهم. الظاهرة جديدة، بالرغم من كونها ليست جماهيرية بعد".


وحول حظر التظاهرات، رأى أنه "يجب أن يكون لنا الحق في التعبير عن قلقنا إزاء تدهور الأوضاع في المنطقة. ولكن يجب تأطيره لأن أي انفلات أمرٌ غير مقبول. التظاهرة هي التعبير الاجتماعي المُؤطَّر للإحباط. وحرية التظاهر حق ديمقراطيّ وضرورة. إن حظر التظاهرة، إذا كانت سلمية، هو المُخاطرة بظهور وسائل أخرى سرية وغير مؤطرة. ومن المشروع إبداء القلق من تصاعد معاداة السامية، وأيضاً من معاناة المدنيين القاسية في غزة".
من جهتها، كانت صحيفة "لومانيتيه"، لسان حال الحزب الشيوعي، أكثر موضوعية من "ليبراسيون" حين تصدّر صفحتها الأولى عنوان: "جريمة جماعية في غزة من توقيع نتنياهو". وتحدّث فيها مبعوثها الخاص من غزة، بيار باربانسي، عن "الفظاعة والدمار الذي زرعه الجيش الإسرائيلي".
ووصف ما حدث بـ"ليلةَ حربٍ مع كثير من الجثث في الشوارع". وأشار إلى "مدى الفرح الذي ينتاب نتنياهو من الموقف المعلن للرئيس فرانسوا هولاند من الحرب". وختم "وحدها جبهة فلسطينية - فلسطينية مشتركة، تستطيع إنقاذ فلسطينيي غزة من المجزرة الإسرائيلية، من أجل استشراف مستقبل آخر يختلف عن مجرد البقاء أحياء فقط".
وذكرت افتتاحية "لومانيتيه"، بعنوان "الفضيحة" وبتوقيع، جان بول بييرو، أن ما يجري هو "جريمة ضد الإنسانية ترتكب أمام أعيننا، والشعب الفلسطيني يتعرّض لاحتلال عسكري وكولونيالي". وتابعت "أمام هذه الوضعية، تفرّدت الحكومة الفرنسية بمنع المواطنين من التعبير عن رفضهم لمجازر غزة".
وأضافت "إن محاولة نزع المصداقية عن رجال ونساء وشباب وعائلات قدموا للتظاهر من أجل السلام والعدالة في الشرق الأوسط، غير جدير ولا يليق بحكومة تدّعي أنها يسارية، ومع التضامن الدولي. ولكن استغلال استذكار اليهود لمآسيهم، كما فعلها فالس، للإيحاء بأن هؤلاء المتظاهرين قد تملَّكهم سُمُّ معاداة السامية، يعتبر فضيحة مطلقة".
ولم تنس الصحيفة أن تنوّه بتحدي المتظاهرين لقرار الحظر "إذ لا يمكن منع من يريد السلام من إسماع صوته". وهو ما أكدته المناضلة من "الاتحاد اليهودي الفرنسي للسلام"، آن ماري بقولها "كل وسائل الإعلام أثبتت أن مواجهات الأسبوع الماضي، كانت بسبب استفزازات رابطة الدفاع اليهودي، المحظورة حتى في الولايات المتحدة وإسرائيل". ​

دلالات
المساهمون