فرانسيسكو غاتوني: الكاتب وصورة الكاتب

09 يوليو 2014
رينا ماريا رودريغيز (كوبا/ 1996)
+ الخط -

يضعنا كتاب "عالم الكتّاب، كتّاب العالم" للمصور الإيطالي فرانسيسكو غاتوني (1956)، الصادر حديثاً عن "هيئة الصالون الدولي لكتاب وأدب الشباب" في الجزائر، أمام أسئلة تبحث عن إجاباتها داخل الصور نفسها، التي التقطها غاتوني لخمسين كاتبة وكاتباً من مختلف الجنسيات.

هل يمكن أن يصبح الكاتبُ صورتَه؟ أم أن الصورة مجرّد وضعية أملاها مزاج مؤقت لكاتب شارد، بتأطير من مصوّر منتبه؟ هل يمكن للصورة أن تجعلنا نحب صاحبها فنحبّ أدبه؟ بل هل تملك الصورة قدرة على أن تصالحنا مع كاتبٍ لا نحبّه؟

لا يجيب غاتوني عن هذه الهواجس بقدر ما يعزّزها من خلال التركيز على الجوانب الروحية للجسد، وإيهام المتلقي (هل يمكن أن نقول القارئ؟) بأنه في حضرة الكاتب فعلاً، فيشرع في طرح الأسئلة على نفسه وعلى الكاتب معاً.

يعيش صاحب سلسلة "بلا بطاقة هوية" في باريس منذ 1979، وقد بدأ اهتمامه بالتصوير بداية الثمانينيات، حين أقام معرضه الأول عام 1987 الذي تضمّن الصور التي التقطها في النيبال. معرضٌ فتح له صفحات جريدة "لوموند" الفرنسية التي عمل معها 17 عاماً.

وجوه الكتّاب وواجهات المدن التي استهوته شكّلت مواضيع معارضه في فرنسا وإسبانيا وإيطاليا، وكتبه التي نذكر منها "كوبا.. دروب الصدفة" التي رافقته فيه بنصوصها الكاتبة الكوبية كارلا سواريس.

وقاده شغفه في تأمّل الوجوه والتمّعن في الملامح إلى إنجاز مجموعة بورتريهات للأجانب المقيمين في فرنسا تحت عنوان "الأوديسات الصامتة"، في إشارة منه إلى حجم المعاناة التي يعيشون في ظلها.

لا تستمد التجربة الفوتوغرافية لغاتوني قيمتها فقط من المؤسسات الإعلامية التي عمل لديها، ومن الفضاءات الفنية المصنّفة التي استقبلت أوديساته "الناطقة"، بل أيضاً من فلسفته في فن الصورة التي تعتمد التخصّص، أي فن البورتريه الهادف إلى أرشفة الذاكرة الإبداعية والإنسانية للمرحلة، وتحميض الصورة في ذهن المتلقي، قبل تحميضها في المخابر.

الروائي الإيراني محمود دولاتابادي (نيويورك، 1999)


ينتمي كتاب "عالم الكتّاب، كتاّب العالم" إلى فئة المصنفات التي تسمح للأبعاد البصرية التي تشكّل طبيعة الكتّاب بأن تتجسّد جمالياً وحميمياً. وهنا لا بد من الإشارة إلى عنصر الانسجام الذي يطبع التجربة، خاصة بين صورة الأدباء، والمقاطع المختارة من كتبهم المنشورة.

تصفُّح هذا الكتاب يشبه رحلة حول العالم، حيث تتعدد اللغات والملامح والتصوّرات، لكنها تلتقي جميعاً في الانتماء إلى الأرض، تماماً كما يهدف إليه كل إبداع لا ينكر ذاته، ولا ينكر الآخرين فيه. وهو الانتماء الذي نلمسه في ملامح هذه التشكيلة المبدعة، وفي النصوص القصيرة التي ترافقها باللغتين العربية والفرنسية.

تمتلئ ملامح روائي هايتي الأول غاري فيكتور (1958) بحزن غامض، تجسّده عيناه وهما تتأملان نقطة ما في الأرض. وتشي سمرته بحيرة، لا ندري هل هي حيرة اللون أم حيرة المصير. يكتب غاري في المقتطف المخصّص له: "صمتت الموسيقى، وفجّر الظلامُ خائب الظنِّ ضجيجَه".

أما الخوف الذي يستوطن ملامح الروائي الإيراني محمود دولاتابادي، فيبدو قادماً من المستقبل. يدان مطبقتان على الصدر، وعينان تخترقان الأفق بحثاً عن الظلام بغيةَ تفاديه، لا عن النور. من ذلك الخوف، يكتب دولاتابادي: "يقال إن الله يأخذ العباد الذين يحبهم، أما بلدي فيقتل الأطفال الذين يحبونه، هل إيراننا بصدد الانتحار؟".

حتماً ستشدّنا صور الكتّاب الجدد، مثل إيفان ثايس (البيرو) ورينا ماريا رودريغيز (كوبا) وجيمس نوال (هايتي) وليونارا ميانو (الكاميرون) وآلان مابانكو (كونغو برازافيل) وأنور بن مالك (الجزائر). لكننا سنقف مطولاً عند صور نجيب محفوظ وغونتر غراس وألبرتو مورافيا وإسماعيل كاداري وأرنستو ساباتو، ليس لأنهم طاعنون في الشهرة، بل لأنهم كانوا طاعنين في الهدوء، وهم يقتربون من نهاية تجربة الكتابة والحياة معاً، فنجد أنفسنا أمام هذا السؤال: هل تمنحنا الكتابة الهدوءَ إلى هذا الحد، ونحن على مقربة من مصائرنا المحتومة؟

المساهمون