فرانسوا هولاند... أفول رئيس انتهت هيبته

07 نوفمبر 2016
الخلاف العلني نادر بين هولاند وفالس (باتريك كوفاريك/فرانس برس)
+ الخط -
على بعد ستة أشهر من الانتخابات الرئاسية، دخل الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، في نفق سياسي مسدود، بعد أن ألّب عليه الأصدقاء قبل الأعداء بسبب الاعترافات و"الهفوات" والانتقادات الشخصية لبعض الوزراء والشخصيات السياسية الاشتراكية، التي وردت في الكتاب الذي خصصه له الصحافيان جيرارد دافي وفابريس لوم، وصدر أخيراً بعنوان "من المفروض ألا يقول الرئيس هذا".

وتحول الكتاب إلى كارثة سياسية بالنسبة إلى هولاند، الذي وعد بأنه سيعلن في ديسمبر/ كانون الأول المقبل ما إذا كان سيترشح إلى ولاية رئاسية ثانية أم لا. وبلغت الأزمة ذروتها بعد أن شرع رئيس الوزراء، مانويل فالس، وهو أقرب المقربين من الرئيس والمعروف بولائه وإخلاصه له، في توجيه انتقادات صريحة إلى هولاند، معبّراً عن "غضبه" من الكتاب، واصفاً إياه بأنه "وصمة عار" بالنسبة إلى الاشتراكيين، وبأن الإساءات التي تضمنها الكتاب إلى عدد من القيادات الاشتراكية وإلى الوزراء "تسيء إلى منصب الرئاسة وقد تفقده مصداقيته". والسبت الماضي رد هولاند على تصريحات رئيس حكومته، رافضاً الدخول في مزايدات قد تصب النار على الزيت، مؤكداً أن "على كل واحد منا ألا يتجاوز حدود مهماته".

والواقع أن الخلاف العلني بين هولاند وفالس حدث نادر وخطير، ولم يسبق أن عاشت السياسة الفرنسية، في عهدها الحديث، خلافاً بهذا الحجم بين الرجلين الأول والثاني في هرم الدولة. ولا يستبعد المراقبون أن تتجه الأمور نحو التأزم، وتذهب بفالس إلى حد تقديم الاستقالة من منصبه، ما قد يشكل الضربة القاضية لهولاند الذي يعاني سلفاً من جحود غالبية وزرائه. كما أن فالس، والذي طالما ردد بأنه مستعد لكل الاحتمالات بخصوص الرئاسة، قد ينتهز الفرصة ويرشح نفسه إلى الانتخابات التمهيدية داخل الحزب الاشتراكي ويقطع الطريق نهائياً على هولاند.

وبالإضافة إلى فالس، يعاني هولاند حالياً من أزمة مفتوحة مع الرجل الثالث في هرم الدولة، رئيس البرلمان، كلود بارتولون، الذي استشاط غيظاً من انتقادات مسيئة وردت على لسان هولاند في الكتاب، إلى حد أنه صار يقاطعه ويتفادى الوجود إلى جانبه في المناسبات الرسمية. وأطلق بارتولون أخيراً إشارات عدة، مفادها بأنه يساند فكرة البحث عن مرشح بديل للرئاسيات مكان هولاند، وأنه يشجع ترشيح وزيرة العدل السابقة كريستيان توبيرا إلى الانتخابات التمهيدية في الحزب الاشتراكي نكاية بهولاند. والواقع أن غضبة بارتولون تعكس الاستياء الجماعي الذي عم النواب الاشتراكيين بعد اطلاعهم على محتويات الكتاب، وعلى الطريقة الاستعلائية التي ينظر بها هولاند إلى الفريق النيابي الاشتراكي.

وتحولت الحكومة الاشتراكية والحزب الاشتراكي أخيراً إلى ما يشبه المدفن لآمال هولاند الرئاسية، إذ إن عدداً كبيراً من الوزراء والشخصيات القيادية لا تخفي استياءها منه، وباتت تشكك في قدرته على تمثيل الحزب الاشتراكي في الانتخابات الرئاسية المقبلة، بسبب هفواته المتكررة وانهيار شعبيته لدى الرأي العام. وتبلور هذا الانهيار في آخر استطلاع للرأي، نشرت نتائجه مؤسسة "سيفيبوف"، وأظهر أن أربعة في المائة فقط من الفرنسيين مقتنعون بأداء هولاند، وهي أدنى نسبة يحظى بها رئيس فرنسي منذ العام 1958. كما أظهر استطلاع آخر لمؤسسة "بي في آ"، نُشرت نتائجه الأسبوع الماضي، أن 11 في المائة من الفرنسيين فقط يتمنون أن يرشح هولاند نفسه لولاية ثانية. كل هذه المعطيات جعلت من سيناريو تقدم هولاند إلى الانتخابات الرئاسية، وإقصائه المبكر والمهين في الدور الأول يعني موتاً محققاً للحزب قد يدوم سنوات طويلة، وهذا ما يخلق حالة من الهلع والبلبلة في صفوف الاشتراكيين خوفاً من هذا السيناريو القاتل.

والمفارقة تكمن في أنه قبل عام كان الاشتراكيون يراهنون على احتمال فوز هولاند بالرئاسة. وتضائل التفاؤل قبل ستة أشهر، ليتركز حول احتمال بلوغه الدور الثاني. وحالياً باتت غالبية الاشتراكيين متشائمة من احتمال نجاحه في الانتخابات التمهيدية داخل الحزب، ما يعني أن الأمر يتعلق بسقطة مدوية قلما عاشها رئيس منتهية ولايته في فرنسا. ورغم أن الرؤساء المنتهية ولايتهم عادة ما يعيشون وضعاً صعباً، مثل فرانسوا ميتران عام 1995، وجاك شيراك عام 2007، ونيكولا ساركوزي عام 2012، فإن وضع هولاند يبدو أكثر تعقيداً وأقرب إلى صيغة صارخة من الأفول السياسي. ذلك أن الرؤساء السابقين، ورغم ضعفهم في نهاية ولاياتهم، كانوا يتمتعون باحترام أحزابهم، ولديهم رصيد معين من الهيبة، بخلاف هولاند الذي أصبح لا يتهيب منه أحد، لا من خصومه ولا من وزرائه ولا حتى المقربين منه.

المساهمون