فراشة الأمل في المأساة السورية

11 اغسطس 2016

أصبحت يسرا مارديني أيقونةً سورية للنهايات السعيدة (العربي الجديد)

+ الخط -
في الصفحة التعريفيّة لها على موقع مفوضيّة اللاجئين، كتبت يسرا مارديني: "أريد أن أمثّل جميع اللاجئين، لأنني أرغب في أن أثبت للجميع أنه، بعد الألم والعاصفة، يحل الهدوء. أريد أن أحثهم على القيام بأمور جيدة في حياتهم". ويبدو أن السبّاحة السورية الصغيرة قالت وفعلت. فعبر إطلالتها الأولى من على حافة المسبح الأوليمبي في ريو دي جانيرو، أرسلت يسرا رسالتها الأولى إلى ملايين الشباب المحبطين من البقاء في أوطانهم والحالمين باللجوء لتحقيق أحلامهم المعلقة بأسباب كثيرة. لم تقل لهم يسرا، بهذه الرسالة، هاجروا لتحققوا أحلامكم، لكنها قالت لهم أصرّوا على هذه الأحلام، واعملوا من أجلها، ومن أجل من يشارككم بها، حتى لو كنتم لا تعرفونه. تابع الشباب، وغيرهم، قصة يسرا الملهمة، وصفقوا لها طويلا، عندما أنهت سباق مائة متر فراشة في المركز الأول، وتأهلت للأدوار التالية، وكأنها بطلتهم الأسطورية التي رسمت لهم طريق الوصول بألوان قوس قزح إلى سماء التحقق الذاتي.

لم يعد أحد الآن تقريبا لا يعرف قصة مارديني التي ردّدتها، خلال أيام، كل وسائل الإعلام، ونشرت عنها مقالاتٌ في كل الصحف والمجلات، وبكل لغات العالم تقريبا، وذكر أنها تلقت خلال يومين فقط  أكثر من ألف طلب، لإجراء مقابلة صحفية معها. وكالعادة، سارعت "هوليود" في إبداء رغبتها بإنتاج فيلم سينمائي، يحكي قصة هذه الفتاة التي لم تتجاوز الثامنة عشرة من عمرها.

انطلقت يسرا، برفقة بعض أفراد عائلتها من سورية، بعد أن اكتشفت أن العيش لم يعد ممكناً في ظل ما يحدث هناك من دمار للبشر وللحجر، وقبلهما للآمال والطموحات، إلى لبنان أولاً، ومنها إلى تركيا، حيث دفعوا جميعا ما يملكون للمهربين ثمناً لنقلهم إلى اليونان، في قاربٍ مطّاطي متهالك، يفترض أنه لا يكفي أكثر من ستة أفراد، لكنهم وضعوا فيه 20 فرداً، وما هي إلا ساعات قليلة في عرض البحر، حتى بدأ القارب يستعد للغرق، بعد أن تسرّبت إليه المياه، نتيجة حمولته الزائدة. كانت دقائق حاسمة في حياة هؤلاء الركاب الذين لا يجيد معظمهم السباحة، أما يسرا وشقيقتها وشابة سورية ثالثة، فقد كان الأمر بالنسبة لهن نوعا من التحدّي الفاصل ما بين الحياة والموت، باعتبارهن يجدن السباحة، فمن غير المنطقي أن يتركن القارب يغرق بمن فيه من اللاجئين. وهكذا، قفزن إلى الماء، وأمسكت كلٌّ منهن بواحدٍ من الحبال المتدلية من جوانب القارب، وسبحن بأقصى ما يملكن من قوةٍ جسديةٍ وقدرة على العوم، وتحدٍّ للمجهول الغارق في أعماق البحر.. وأمل رافقهن منذ بداية الرحلة،  أكثر من ثلاث ساعات، حتى وصل القارب المتهالك إلى شاطئ جزيرة لسبوس اليونانية، ومن ثم قطعت الأختان رحلةً بريةً طويلة إلى النمسا، تخللتها صعوباتٌ كثيرة، حتى وصلتا، في النهاية، إلى ألمانيا.. بداية تحقيق الحلم.

كثيرون وكثيرات مرّوا بتجربة يسرا في اللجوء ومصاعبه، والانتصار على تلك المصاعب في النهاية، لكن الأضواء تعشق شخصياتٍ معينة، تتوفر فيها سمات النجومية بخلطةٍ سحريةٍ، لا تتوفر للجميع، وقد توفرت في يسرا الشابة التي أصبحت أيقونةً للتحدّي والنهايات السعيدة. تماما كما أصبح الطفل الغريق على شواطئ اللجوء، عيلان الكردي، أيقونة للخذلان والنهايات الحزينة في المأساة السورية.

وسواءً بالغ الإعلام في إحداث هالته البراقة حول يسرا، كما يظن بعضهم، أم لا، فإن هذا كله لا يمنع من التوكيد على أن العالم سيظلّ دائماً بحاجةٍ إلى هذا النوع من الملهمين الفرديين، وإلى هذه القصص البطولية الفارقة بين الحياة والموت، وما بين الهزيمة والنصر، وما بين الانكسار والإرادة.. على الأقل، لكي يبقى البشر على قيد الأمل دائماً.

دلالات
CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.