لكلّ بلد موروث شعبي غنيّ بالحكايات والقصص والأغاني التي لم تُدوَّن على ورق ينقلها إلى الأجيال المقبلة. حاملو الموروث ربما يموتون من دون أن يسلّموا ما في جعبتهم لمن يأتي بعدهم، للمحافظة على إرث ثقافي وشعبي هام مرّت به حقبة الأجداد والآباء.
"الغول" رمز لشخصية مخيفة وقاسية في فلسطين. استخدم الغول كثيراً في القصص الخيالية التي سمعها الأطفال من جداتهم مثلاً. هو يجسّد من خلال القصة شخصية متسلطة مرعبة وقوية تحاول أن تخطف الأطفال وتسرق حاجياتهم. من جهتها، ترى الحكواتية الفلسطينية الشابة فداء عطايا أنّ الغول "يمثل الاحتلال الإسرائيلي في معظم القصص التي سمعنا بها عنه".
عطايا التي تعيش في بلدة كفر نعمة، في غرب مدينة رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة، تعمل منذ سنوات على جمع القصص الشعبية القديمة، وكذلك الأغاني التراثية والشعبية التي ترتبط بالقصص. تحاول المحافظة على هذا الإرث الثقافي الفلسطيني وعدم تركه في جعب وأذهان المعمّرات والمعمّرين الفلسطينيين، بحسب ما تقول عطايا لـ"العربي الجديد".
لا تكتفي فقط بجمع القصص، بل تعمل على تطويرها مع المحافظة على محورها ومضمونها الأساسي. ولدى الانتهاء منها، تحكي عطايا قصصها لجمهورها، محاولة إيصال الرسالة والفكرة إليه بطريقة كاملة متكاملة، عبر صوتها وملابسها ولغة جسدها والموسيقى التي تستخدمها.
تؤمن فداء عطايا بقدراتها الكبيرة على خشبة المسرح، وكذلك بقدراتها في جمع القصص من صديقاتها "الحجّات"، وهنّ هؤلاء النساء الكبيرات في السنّ اللواتي تلجأ إليهنّ. كذلك، تذهب فداء إلى كلّ قرى الضفة الغربية وبلداتها لتقابل أناساً ربما يحملون في جعبتهم قصصاً وأغاني فلسطينية تراثية لم تعرفها من قبل.
تشير عطايا إلى أنّ ما تقوم به ليس مجرّد تعبئة فراغ أو للتسلية فقط، بل على العكس تماماً، هي تسعى من خلال جمع هذا الموروث إلى المحافظة على الثقافة الفلسطينية التي تُعدّ محطّ أنظار الاحتلال الإسرائيلي بشكل دائم. كما سرق الاحتلال الأرض وكثيراً من المقتنيات الأثرية ونسبها إلى دولته، كذلك فإنّ من الوارد جداً - وبشكل دائم - أن تسعى مخططات الاحتلال إلى سرقة القصص التراثية الفلسطينية وتحويلها إلى العبرية ونشرها. بذلك، تصبح هذه القصص جزءاً من التراث الصهيوني الذي يعود بهم - كذباً - إلى تاريخ اليهود القديم، بحسب ما تشدّد الحكواتية فداء.
اقــرأ أيضاً
نظراً لأهمية ما تجمعه وتصيغه وطريقتها الجميلة في سرد القصص، تمكّنت عطايا من تقديم عروض مسرحية وقصصية في مهرجانات ومناسبات كثيرة، على مستوى محلي وعالمي. شاركت في مهرجان قرطاج الدولي في تونس، ومهرجان حكايا في الأردن، كذلك قدمت عروضاً في مهرجانات في فرنسا وبريطانيا وإيطاليا من ضمن فرق مسرحية من مختلف أنحاء العالم، خلال السنوات الماضية. وكانت فداء الفلسطينية الوحيدة التي تشارك في مثل هذه الفعاليات.
بعد الثانوية العامة، تخصصت عطايا في التربية وعلم النفس. خلال دراستها، كانت تشارك في عروض مسرح على مستوى قريتها ومدينتها. بعد ذلك، تعلمت كيفيّة إعداد وتقديم عروض الدمى بالإضافة إلى سرد القصص والحكايات. من بعدها، درست العلاج من خلال المسرح، وتفرّعت في كلّ مجالات التمثيل والقصص والمسرح، لتصبح متخصصة في هذا المجال وتشارك ما لديها من قصص جمعتها ودوّنتها للجمهور الكبير الذي يشاهدها.
ترفض عطايا كلّ أشكال التمويل التي تقدّمها المؤسسات الرسمية. هي ترفض فكرة الارتباط بأيّ مؤسسة، وتفضل البقاء حرّة في عملها، فيما تنسّق مع المؤسسات التي تثق بها وتعرفها منذ سنوات عديدة وتعرف مجالاتها جيداً.
في هذه الأيام، بدأت عطايا مع فريق من المتطوعين نشاطاً في التجمّع البدوي في جبل البابا، في شرق مدينة القدس المحتلة. هناك، يفترض أن يعيش المتطوعون، وهي معهم، لمدّة عشرة أيام متواصلة في ضيافة البدو. خلالها، يستمعون إلى قصصهم التاريخية، ومعها معاناتهم اليومية من اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي. أما في المرحلة التي تلي الزيارة، فتتولى عطايا وفريق المتطوعين العمل على صياغة القصص في حكايات ونشرها على مستوى العالم.
مثل هذه الطرق والأساليب الثقافية الشعبية، يستطيع الفلسطينيون أن يوصلوا من خلالها جزءاً من تفاصيل حياتهم وثقافتهم ومعاناتهم أيضاً إلى كلّ دول العالم. وفداء عطايا نموذج في ذلك، فهي تصطاد أكثر من عصفور بحجر واحد. هي تحمي إرثها الثقافي، وتجمعه، وتنسجه من جديد، وتشاركه مع جمهورها، وترسل إلى العالم صورة عمّا يجري في فلسطين المحتلة.
اقــرأ أيضاً
"الغول" رمز لشخصية مخيفة وقاسية في فلسطين. استخدم الغول كثيراً في القصص الخيالية التي سمعها الأطفال من جداتهم مثلاً. هو يجسّد من خلال القصة شخصية متسلطة مرعبة وقوية تحاول أن تخطف الأطفال وتسرق حاجياتهم. من جهتها، ترى الحكواتية الفلسطينية الشابة فداء عطايا أنّ الغول "يمثل الاحتلال الإسرائيلي في معظم القصص التي سمعنا بها عنه".
عطايا التي تعيش في بلدة كفر نعمة، في غرب مدينة رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة، تعمل منذ سنوات على جمع القصص الشعبية القديمة، وكذلك الأغاني التراثية والشعبية التي ترتبط بالقصص. تحاول المحافظة على هذا الإرث الثقافي الفلسطيني وعدم تركه في جعب وأذهان المعمّرات والمعمّرين الفلسطينيين، بحسب ما تقول عطايا لـ"العربي الجديد".
لا تكتفي فقط بجمع القصص، بل تعمل على تطويرها مع المحافظة على محورها ومضمونها الأساسي. ولدى الانتهاء منها، تحكي عطايا قصصها لجمهورها، محاولة إيصال الرسالة والفكرة إليه بطريقة كاملة متكاملة، عبر صوتها وملابسها ولغة جسدها والموسيقى التي تستخدمها.
تؤمن فداء عطايا بقدراتها الكبيرة على خشبة المسرح، وكذلك بقدراتها في جمع القصص من صديقاتها "الحجّات"، وهنّ هؤلاء النساء الكبيرات في السنّ اللواتي تلجأ إليهنّ. كذلك، تذهب فداء إلى كلّ قرى الضفة الغربية وبلداتها لتقابل أناساً ربما يحملون في جعبتهم قصصاً وأغاني فلسطينية تراثية لم تعرفها من قبل.
تشير عطايا إلى أنّ ما تقوم به ليس مجرّد تعبئة فراغ أو للتسلية فقط، بل على العكس تماماً، هي تسعى من خلال جمع هذا الموروث إلى المحافظة على الثقافة الفلسطينية التي تُعدّ محطّ أنظار الاحتلال الإسرائيلي بشكل دائم. كما سرق الاحتلال الأرض وكثيراً من المقتنيات الأثرية ونسبها إلى دولته، كذلك فإنّ من الوارد جداً - وبشكل دائم - أن تسعى مخططات الاحتلال إلى سرقة القصص التراثية الفلسطينية وتحويلها إلى العبرية ونشرها. بذلك، تصبح هذه القصص جزءاً من التراث الصهيوني الذي يعود بهم - كذباً - إلى تاريخ اليهود القديم، بحسب ما تشدّد الحكواتية فداء.
نظراً لأهمية ما تجمعه وتصيغه وطريقتها الجميلة في سرد القصص، تمكّنت عطايا من تقديم عروض مسرحية وقصصية في مهرجانات ومناسبات كثيرة، على مستوى محلي وعالمي. شاركت في مهرجان قرطاج الدولي في تونس، ومهرجان حكايا في الأردن، كذلك قدمت عروضاً في مهرجانات في فرنسا وبريطانيا وإيطاليا من ضمن فرق مسرحية من مختلف أنحاء العالم، خلال السنوات الماضية. وكانت فداء الفلسطينية الوحيدة التي تشارك في مثل هذه الفعاليات.
بعد الثانوية العامة، تخصصت عطايا في التربية وعلم النفس. خلال دراستها، كانت تشارك في عروض مسرح على مستوى قريتها ومدينتها. بعد ذلك، تعلمت كيفيّة إعداد وتقديم عروض الدمى بالإضافة إلى سرد القصص والحكايات. من بعدها، درست العلاج من خلال المسرح، وتفرّعت في كلّ مجالات التمثيل والقصص والمسرح، لتصبح متخصصة في هذا المجال وتشارك ما لديها من قصص جمعتها ودوّنتها للجمهور الكبير الذي يشاهدها.
ترفض عطايا كلّ أشكال التمويل التي تقدّمها المؤسسات الرسمية. هي ترفض فكرة الارتباط بأيّ مؤسسة، وتفضل البقاء حرّة في عملها، فيما تنسّق مع المؤسسات التي تثق بها وتعرفها منذ سنوات عديدة وتعرف مجالاتها جيداً.
في هذه الأيام، بدأت عطايا مع فريق من المتطوعين نشاطاً في التجمّع البدوي في جبل البابا، في شرق مدينة القدس المحتلة. هناك، يفترض أن يعيش المتطوعون، وهي معهم، لمدّة عشرة أيام متواصلة في ضيافة البدو. خلالها، يستمعون إلى قصصهم التاريخية، ومعها معاناتهم اليومية من اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي. أما في المرحلة التي تلي الزيارة، فتتولى عطايا وفريق المتطوعين العمل على صياغة القصص في حكايات ونشرها على مستوى العالم.
مثل هذه الطرق والأساليب الثقافية الشعبية، يستطيع الفلسطينيون أن يوصلوا من خلالها جزءاً من تفاصيل حياتهم وثقافتهم ومعاناتهم أيضاً إلى كلّ دول العالم. وفداء عطايا نموذج في ذلك، فهي تصطاد أكثر من عصفور بحجر واحد. هي تحمي إرثها الثقافي، وتجمعه، وتنسجه من جديد، وتشاركه مع جمهورها، وترسل إلى العالم صورة عمّا يجري في فلسطين المحتلة.