فخامة الشعب اللبناني

14 اغسطس 2015
يعيش لبنان "لعنة" الفراغ الرئاسي (حسين بيضون)
+ الخط -
لا أدري كيف يعيش لبنان وشعبه بدون رئيس، فالحياة في بلادنا لا تستقيم دون رأس، وغالباً ما ينشغل الناس في بلادنا بمصير الرؤساء أكثر من مصير البلاد. بل غالباً ما يرى العباد أن مصيرهم مُعلق بالحاكم المُلهم. ربما لهم كل الحق في ذلك، لأن فخامة الرئيس الذي وصل إلى الحكم بالوراثة أو الصدفة، أو غيرهما من الطرق التي لا تمر بصندوق الاقتراع، قد أمسك طيلة عقود من أعمارهم بكل مقاليد الحكم ومفاصل الحياة، بل إن جيلاً، وربما جيلين خرجا إلى هذه الدنيا، وبعضهم رحل عنها، من دون أن يعرف "ولي أمر" غير فخامة الرئيس.

فخامة الرئيس يفتتح الحدائق، ويدشن المصانع، ويوقع الاتفاقيات، ويعين الوزراء ويحل النواب، ويصرف المنح والهبات على من أطاعوا، ويصدر أحكام العفو في الأعياد الدينية والوطنية، ومنها عيد ميلاده وعيد جلوسه. إذا غاب الرئيس عن عيون الناس، وغالباً ما يغيب، فهو حاضر بصوره الملونة في كل شارع ودائرة وشركة ومكتب ومستشفى وحارة ودكان، وطبعاً في أعلى صدر الصفحة الأولى من صحف كل صباح.

فخامة الرئيس هو الدولة وهو الأمة، حامي الحمى والدستور والشرعية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، الأمين العام للحزب الحاكم، وأمين سر كل اللجان المركزية والتنفيذية، يرفع من يشاء ويعزل من يشاء. هو الرياضي الأول، الفنان الأول، الكاتب الأول، وله من الأسماء والألقاب ما يفوق أسماء الجلالة. تُزين بزته العسكرية أوسمة ونياشين يفوق عددها عدد أيام عمره، كيف لا؟ وهو يخوض يومياً معارك الدفاع عن الوطن وحدوده وحرماته. فخامة الرئيس يخشى الموت، ليس جبناً أو حباً بالحياة، وإنماً خوفاً على حياة الشعب الذي لم يبلغ سن الرشد بعد.

ربما هي "لعنة" الفراغ الرئاسي التي ترمي بلبنان من مكب الى مكب، دون أن تترك ولو مكبا واحدا للنفايات. أو ربما هو اللبناني وقد تمرد على نفسه، وقرر العيش في وطن لا سيادة فيه إلا لـ "فخامة الشعب". وأيا كانت حيثيات التجربة اللبنانية "اللارئاسية"، فهي جديرة بالاهتمام، لأنها تدحض أسطورة "الرئيس الضرورة"، والأهم أنها وفرت على الشعب اللبناني راتب الرئيس وتكاليف تجديد الأثاث في قصر بعبدا.
المساهمون