غداً الجمعة، تنظّم "مؤسسة بيت تونس" في باريس، يوماً خاصاً بالمشوار السينمائي لصاحب "نجوم" بعنوان "أضواء على فاضل الجزيري"، حيث يُعرض فيلماه ويجري مناقشته حولهما.
قد لا يختلف كثيرون على الجودة الفنية لما قدّمه الجزيري في الشاشة الفضية، لكن كثيراً ما اعتبر "سينمائي مناسبات" (فيلمان في مسيرة أربعة عقود)، وحين يوضعان في سياقاتهما يبدوان أقرب إلى استثمارات في اللحظة تاريخية، وهو أمر يسري على جميع أعماله في مختلف الفنون.
في 2007، احتفلت تونس بالذكرى الخمسين للاستقلال، كان واضحاً أنه فيما عدا روتينيات الاحتفالات الدعائية في زمن بن علي، ولغتها المستهلكة، لم يكن يوجد في الساحة التونسية ما يستجيب إلى طلب ملحّ بتوفير واجهة ثقافي لهكذا مناسبة.
جاء فيلم "ثلاثون" ليملأ هذا الفراغ؛ عمل تاريخي يعود من جهة إلى منعطف أساسي في النضال الوطني ضد الاستعمار (سنوات الثلاثينات التي اقتبس منها الجزيري عنوانه)، ولكنه بالخصوص يدعم رواية النظام التونسي وقتها، حيث أن مطلبي التحديث وتحرير المرأة كانا أداتي تبرير كلّ القمع في تونس، وقد برزا في الفيلم كمطلب له جذوره التاريخية والاجتماعية.
حظي الفيلم بميزانية ضخمة، أساساً بدعم وزارة الثقافة ومصالحها. وللمفارقة، فقد أنتج فاضل الجعايبي في المسرح خلال نفس الفترة عملاً بعنوان "خمسون"، وإن كان أكثر نقدية من "ثلاثون". وكان كل من الجزيري والجعايبي قد بدآ مسيرة مشتركة في السبعينيات والثمانينيات قبل أن يتفرّقا مع بداية حكم بن علي.
بدا فيلم "ثلاثون" مثل بيضة الديك، غير أن الجزيري ظهر مخرجاً سينمائياً من جديد في 2016. إنها مرحلة جديدة في تونس ما بعد الثورة، والتي أفرزت حركة سينمائية لافتة. ظهور الجزيري في "خسوف" بدا مثل تحدّ لجيل من المخرجين الجدد حققوا نجاحات بأفلامهم الأولى مثل "نحبك هادي" لـ محمد بن عطية، و"عزيز روحو" لـ سنية الشامخي، و"على حلة عيني" لـ ليلى بوزيد.
اللحظة الجديدة استدعت للفيلم ثيمتي مقاومة الفساد والتشدّد الديني، وهما – للمصادفة أو لحسن التخطيط – مقولتا الخطاب السياسي الجديد للنظام التونسي. حظي الجزيري مرة ثانية بميزانية ضخمة، فأتى بعناصر بصرية هوليوودية من أجل سرد حكاية "تحقيق مستحيل" وقصة حب جمعت محققاً بوليسياً وصحافية.
من وراء العملين، يظلّ الجزيري شخصية ثقافية أساسية في المشهد التونسي، ورغم ذلك القرب الذي توحي به تمويلات مشاريعه الفنية، فقد ظلّ على مسافة من كل الجهات الرسمية، إذ يبدو كمن يفضّل تقديم "الخبرة الفنية" من بعيد، عارفاً بالمواعيد التي يجدر له التحرّك فيها، وبأي شكل فنّي. كان أحد رسامي الكاريكاتور قد وصفه بـ "قارئ الفنجان السياسي".