فاروق الفيشاوي... مشاغبة طويلة مع الفن والحياة والموت

26 يوليو 2019
كان "يحب السينما، ويحبّ الحياة" (فايد الجزيري/نورفوتو)
+ الخط -
قبل قرابة عام واحد كان فاروق الفيشاوي يقف على المسرح أثناء تكريمه في مهرجان الإسكندرية ليخبر الحضور أنه مصاب بالسرطان. وعلى عكس الوقع السيئ للخبر، كانت ابتسامة الفيشاوي حاضرة، وهو يقول إنه "سيتعامل مع المرض كأنه صداع وسينتصر عليه"، شعر الجميع بقناعة شديدة بأن هذا حتماً ما سيحدث.

خلال هذا العام لم يتوقف الفيشاوي إطلاقاً عن العمل. كان يمثل أمام الجمهور يومياً في مسرحية "الملك لير" أمام يحيى الفخراني، ويحضر لفيلمٍ اسمه "قرفة بالزنجبيل"، ولمسلسل يشارك فيه خلال رمضان المقبل. كان يتعامل مع السرطان فعلاً باعتباره "صداعاً" مؤلماً ربما، ولكنه لن يوقفه عن المشاغبة مع الدنيا.

ذلك المشهد الختامي الطويل في مسيرة الفيشاوي، يعبر تماماً عن نوعية الشخص الذي كانه، والحياة التي عاشها. حياة مليئة بالتقلبات والدراما والأخطاء والندم والفرص الثانية والميل الدائم للمشاغبة، وعدم الاستكانة لقواعد المنطق والواقع، مع عدد كبير وضخم جداً من الأعمال الفنية بشكل يوافق رغبة صاحبها في الامتلاء بالحياة والحركة، أكثر من تقييم خطواته وحسابها.

يمكن أن نرى ذلك مثلاً في قراره بالمخاطرة ببداية حياته، والانتقال من بلدته المنوفية إلى القاهرة للبحث عن فرصة تمثيل بدلاً من الاستكانة للمنطق الذي يجعله يعمل في وظيفة ميسورة الحال في البلدة وبشهادة الطب العام التي حصل عليها. يمكن كذلك استيعاب شخصيته وإصراره وقوته، بالنظر إلى قسوة سنواته الأولى في القاهرة حيث لم يجد عملاً، واشترك كـ"كومبارس"، صامت غالباً، في أعمالٍ أخرى مسرحية أو تلفزيونية من دون أي مال أو حتى مكان سكن أحياناً. وحين أتت الفرصة بالفعل مع نجاح مسلسل "أبنائي الأعزاء شكراً" (1979) الذي تلاه بعامين مشاركته عادل إمام وسعاد حسني في بطولة فيلم "المشبوه" (1982)، تحوّل الفيشاوي إلى نجمٍ شاب من رموز سينما الثمانينيات. ولكنه، وهذا الجانب الأهم من شخصيته، لم يكن مشغولاً بتلك النجومية، إذْ لم يحسب خطواته التجارية كعادل إمام، أو يأخذ رهانات فنية متتالية كأحمد زكي، أو يبقى حتى في منطقة آمنة كنور الشريف أو محمود عبد العزيز.
كان الفيشاوي، وكما يصف نفسه في حوار تلفزيوني عام 2015: "يحب السينما ويحب الحياة"، ولذلك لم يرفض أي عمل عُرض عليه في تلك الفترة، بكل التناقضات المحتملة في نوعية الأفلام: من تجارية صرفة مثل "وحوش المينا" (1983) أو "جبروت امرأة" (1984)، إلى أفلام فيها مساحة من الاختلاف والمغامرة، كفيلمي الرعب "استغاثة من العالم الآخر" (1985) و"الكف" (1986)، لأفلامٍ فنية لم يكتفِ ببطولتها بل أنتجها أيضاً وأهمها "مشوار عمر" (1986) مع المخرج محمد خان. كان يمثل في كل شيء وأي شيء، ومن المبهر مثلاً أن عدد أعماله في فترة ازدهار نجوميته بين بداية الثمانينيات ومنتصف التسعينيات يتجاوز الـ130 فيلماً، وهو الأكثر كثافة بين أبناء جيله.

ومع كل تلك المشاغبة المستمرة والامتلاء بالحياة، كان منطقياً ألا يتعامل الفيشاوي مع السرطان باعتباره مرضاً قاتلاً سيوقفه؛ تعامل معه فعلاً كالـ"صداع"، وأقنع الجميع أنه سينتصر عليه، وظل يعمل ويقف على المسرح حتى آخر نفس، وهَمَد جسده في النهاية وهو لا يزال يحاول، ولكن السرطان لم يكن صداعاً مع الأسف!
المساهمون