فارس مسدور:الجزائر تتعرض لخيانة اقتصادية تحرمها من الأمن الغذائي

28 مارس 2016
الخبير الاقتصادي الجزائري فارس مسدور(العربي الجديد)
+ الخط -
يقول الخبير الاقتصادي الجزائري فارس مسدور، إن بلاده تتعرض لخيانة اقتصادية عظمى، أبطالها مافيات التصدير، ويقول في مقابلة لـ "العربي الجديد": " في حين تم إنفاق مليارات الدولارات على التنمية ولا يزال المواطن يعاني من البطالة ومشكلات السكن والتضخم".
وهنا نص المقابلة:

*لدى الجزائر إمكانات اقتصادية هائلة بالنظر إلى الثروات الطبيعية والثروة البشرية حيث إن نسبة الشباب تزيد عن 70% من السكان، فلماذا لم يعرف هذا البلد التطور الاقتصادي المفترض؟

الأمر يعود إلى ضعف الترشيد في استغلال الموارد وتحديد الأولويات. فبعض الدول الذي يتوفر على إمكانات أضعف من إمكانات الجزائر بكثير حاول التركيز على بعض القطاعات مثل تطوير قطاع الصيدلة مثل دولة الأردن، وتطوير قطاع التعليم العالي وغيره. ولذلك فعندما تحدد أولوياتك حينها ستحسن استغلال مواردك، ونحن لم نحدد أولوياتنا. فالجزائر يفترض بها أن تطور قطاعها الفلاحي الذي كان يطعم أوروبا بأكملها، وإعادة الاعتبار لهذا القطاع قد تجعلها تستغني عن برميل النفط الذي دمر حياتنا الاقتصادية بشكل أو بآخر.
ويضاف إلى ذلك طبعاً الفساد الرهيب الذي تعرضنا له خاصة مع مطلع القرن الواحد والعشرين ونهاية التسعينيات. وفوق كل ذلك ليست لدينا خطة قصيرة، متوسطة وطويلة الأجل. فنحن لا زلنا نخطط لميزانية سنة واحدة، ولا نخطط لاقتصاد بلد بكامله.

*في ظل الأزمة المالية التي تعيشها البلاد جراء تراجع أسعار النفط، تدعو الحكومة لتنويع الاقتصاد، هل يمكن انتظار وثبة اقتصادية مع هذا الإجراء؟
لا أعتقد ذلك مع حكومات فشلت في تسيير البلد في ظل البحبوحة المالية، فكيف يمكنها أن تسيره في ظل الأزمة؟ يعني أنت كانت لديك الإمكانات المالية واللوجستية للارتقاء باقتصادك خارج المحروقات، والآن وأنت في ظل الأزمة أيعقل أن تسير البلد بما يجب أن يكون؟ وعليه أنا أرى أنه يوجد عجز تام عن تسيير الاقتصاد الوطني لإخراجه من أزمته.

*ولكن ومع ذلك هناك توجه قوي للحكومة نحو الفلاحة والسياحة كرافدين هامين للاقتصاد، في رأيك هل سينجح رهان الحكومة على هذين القطاعين؟

في العالم كله هناك 40 مليون هكتار من الأراضي الفلاحية ذات الجودة والخصوبة العالية، والعالم بكامله يتقاسم 8 ملايين هكتار، والجزائر تستأثر بـ 32 مليون هكتار من هذه الأراضي. 3 ملايين هكتار من هذه الأراضي بالولايات المتحدة الأميركية تدر عليها نحو 600 مليار دولار سنوياً، في إسبانيا 1.6 مليون هكتار تدر عليها 400 مليار دولار، ونحن نمتلك في بلادنا 32 مليون هكتار من هذه الأراضي، إذا تم استغلالها فسنجني منها ما لا يقل عن 6000 مليار دولار.
أما بالنسبة للسياحة، فنحن فعلياً لا نحتاج إلى هياكل واسعة من فنادق ومنتجعات وغيرها. فالسائح يبحث عن الثقافات المختلفة، وبالتالي نحتاج إلى عقل تسويقي حديث يحسن استغلال الثقافة الجزائرية بما يتوافق وحاجيات السياح.

*قانون المالية لعام 2016 أثار الكثير من الجدل على الساحة السياسية خاصة من ناحية الخصخصة والتقشف، هل تجد أنه يوجد ضرورة لتطبيق هذه الإجراءات اليوم؟
أنا على يقين أن البلد لم يصل إلى مرحلة الاختناق الذي يدفعه إلى التقشف. قلنا من قبل إنه قبل الحديث عن التقشف يجب الحديث عن ترشيد النفقات، ترشيد الاستثمار وعقلنة وترقية تسيير الاقتصاد الوطني بما يتوافق مع التطور الحاصل في مجال إدارة الاقتصادات. وبالتالي لسنا بحاجة إلى أموال طائلة لتسيير اقتصاد 40 مليون جزائري، في حين أن دولاً مثل الصين والهند مثلا تحسن إدارة اقتصاد عدد ضخم من السكان. أنا أتكلم عن استغلال الفرص، فمثلا مشروع "ديزيرتيك" للطاقة الشمسية جاء إلى أحضاننا وضيعناه فتلقّفه إخواننا في المغرب.
أعتقد أن قانون المالية 2016 ما هو إلا خدعة يحاول من خلالها بعض المسؤولين، بدوافع من رجال المال لا الأعمال، بيع ما تبقى من مؤسساتنا العمومية. واليوم نسمع عن مؤسسة سونالغاز، وهي واحدة من أكبر المؤسسات في الاقتصاد الجزائري، أنها ترزح تحت ديون كثيرة ومن الضروري أن تلجأ إلى الاستدانة الخارجية، وهذا فتح الباب لتطبيق للمادة 66 من قانون المالية المرتبط بالخصخصة، والذي عزز بدستور يفتح الباب واسعا أمام الليبرالية الجشعة.

* لكن الوزير الأول ووزير المالية نفيا أن تكون الشركات الاقتصادية الوطنية الكبرى مثل سوناطراك وسونالغاز من بين الشركات المعنية بالمادة 66، فما تعليقك؟
السؤال الذي يطرح هنا: لماذا لم يتم اعتماد ملحق في قانون المالية يعدد أسماء الشركات المستثناة من المادة 66؟ لماذا لم يذكر المؤسسات المعنية بهذه المادة؟ فأنت عندما تفتح الباب واسعاً، يمكن أن تفسر أي تصرف من تصرفاتك، وبالتالي أنا أرى أن هذه المادة مادة خادعة والزمن سيبين أنهم وضعوا هذه المادة وعززوها بالدستور بغية أن يبيعوا ما تبقى من مؤسساتنا العمومية. هم لن يجرؤوا أن يفعلوا ذلك مع شركة سوناطراك، لكن يمكن أن يفعلوها مع الخطوط الجوية الجزائرية ومع شركة سونالغاز وغيرها من الشركات الوطنية العمومية القوية التي دمروها.

* نفهم من كلامكم أن الشركات الاقتصادية العمومية الكبرى التي تترنح الآن هي فعلياً تقترب من الإفلاس، وبفعل مقصود من جهات ما بهدف بيعها لاحقاً؟
أنا أؤكد لك أن هناك برمجة خبيثة غير صادقة لعرض هذه المؤسسات للبيع، والدليل على ذلك هو أنه حتى قبل تطبيق المادة 66 من قانون المالية في البرلمان تم تطبيقها في مؤسسات إنتاج الإسمنت، حيث تنازلت الدولة بإشراف من قيادات كبرى في البلاد عن مؤسستين لصالح رئيس منتدى رؤساء المؤسسات، وبالتالي لا تتعجب لأن هذه الأمور لا يذكرونها للناس ولا تخرج للإعلام، وعليه إنهم يفتحون الباب واسعاً أمام شراء مؤسساتنا العمومية بأثمان بخسة.

*على ذكر منتدى رؤساء المؤسسات (أرباب العمل) ، فقد بات في ظرف قياسي أهم تنظيم لأصحاب العمل وأقواها ويحضر لقاءاته الولاة والوزراء بشكل لافت، في رأيكم من أين استمد هذا المنتدى قوته؟
منتدى رؤساء المؤسسات تلقى إعفاءات تتعلق بالفوائد وبالمدة التي يسددون بها قروضهم، ولدى أعضائه كل الامتيازات التي تتمتع بها المؤسسات التي لديها ظهر يحميها من بعض القيادات في السلطة. لذلك لا تتعجب أن الرجل يستقبل استقبالاً رسمياً بل أن الطرقات تغلق عند مروره في بعض الولايات ويخرج الوالي لاستقباله شخصياً، وكأنه شخصية رسمية في البلد، وهو ليس أكثر من رئيس جمعية لأرباب العمل.
والخطر الذي يكمن الآن في هذه التصرفات هو أن هؤلاء قد دخلوا من باب الاقتصاد للسيطرة على السياسة. أتوقع الأسوأ إذا لم يتم تظهر حكومة جديدة تكون تكنوقراطية بعيدة عن السياسة والسياسيين، تعمل وفق برنامج، يمكن أن يكون برنامج رئيس الجمهورية، ولكن بكل حرية.
من جهة أخرى، الفساد متجذر في البلاد ولكنه كشّر عن أنيابه منذ نهاية التسعينيات إلى الآن، لذلك أنا أرى أن أول خطوة يجب اتباعها هي إنشاء هيئة رسمية لمكافحة الفساد وإلا فإننا لن ننجح في مكافحة الفساد إذا ما اعتمدنا على لجنة لمكافحة الظاهرة. الأمر يتطلب قوة وإرادة سياسية لمحاربته.

*لكن البلاد تتوفر على أكثر من هيئة لمكافحة الفساد والوقاية منه بالإضافة إلى مجلس المحاسبة والبرلمان، فلماذا نحتاج إلى هيئة جديدة؟
هذه الهيئات همشت ولم يعد لها دور في مكافحة الفساد. هل يمكن للبرلمان أن يستدعي وزيراً لمحاسبته على الملأ؟ هل يمكن لمجلس المحاسبة أن يفعل ذلك؟ الأخير يصدر تقارير عن سنوات خلت، تخيل أن التقرير الأخير الذي أصدره المجلس يتكلم عن سنة 2001. محاربة الفساد لا تتم بأثر رجعي، فالذين هربوا أموالاً إلى الخارج، كيف قاموا بهذه العمليات؟ ألم يكن فساداً مبنياً على قوانين؟ ثم من الذي ألغى تقنيات التجارة الخارجية وأبقى على القرض المستندي؟ أليس رئيس الحكومة السابق؟ هذا القرار يسمح لك بأن ترسل المال إلى الخارج والممون يرسل لك السلعة متى يشاء، والجزائري صار يذهب إلى الصين وينشئ مؤسسته هناك ويصبح هو المصدّر وهو المستورد، ويضخم الفواتير كما يشاء. الناس استوردوا حتى الرمل من الصين، فقط من أجل تهريب العملة لتعود وتحول إلى السوق السوداء للعملة الصعبة.
المنظومة معقدة، لذلك فنحن في أمس الحاجة إلى اختصاصيين همهم الوحيد هو كشف قضايا الفساد الاقتصادي الرهيب الذي تعرضنا له. يقولون إن الجزائر أنفقت 800 مليار دولار منذ نهاية التسعينيات إلى الآن على التنمية، أنا على يقين أننا أنفقنا أكثر من تريليون و100 مليار دولار، وعلى أي حال، هل تغير وجه الجزائر بعد هذا الإنفاق الضخم؟ إذ لا زالت أزمة السكن قائمة، وكذلك أزمة البطالة وأزمة التضخم، لا بل إننا دمرنا عملتنا.

*في عز حديث الحكومة حالياً عن التوجه نحو القطاع الفلاحي، يتلف إنتاج البطاطس والطماطم ولا يوجد أي جهد لتسهيل تصديره، كيف تقرأ هذه المفارقة؟
ما دام في بلادنا بارونات ومافيا الاستيراد، فإن الفلاحة لن تتطور. تخيل أن أسعار السكر والزيوت والمنتجات الأساسية تنخفض عالمياً إلا عندنا تبقى أسعارها مرتفعة. الأمر الثاني هو أنه عندما تتبنى الحكومة تطوير القطاع الفلاحي، يجب التنبه إلى أن هذا الأخير هو كل متكامل، وعندما تغيب فيه استراتيجية للتخزين فإنه سيموت ولو بعد حين. وبالتالي هذه ضربة كبيرة للفلاحين الذين بذلوا جهوداً لتطوير إنتاجهم. في منطقة المنيعة مثلا، توجد أربعة ملايين هكتار صالحة للفلاحة. وهذه المنطقة لوحدها يمكنها أن تغني البلاد عن استيراد القمح والحليب والعديد من المنتجات الفلاحية، لكن هناك من لا يريدها أن تتطور ويسعى أن تبقى هكذا. وعليه فإننا نتعرض لخيانة اقتصادية عظمى، ضيعت علينا فرصاً عديدة لإخراج البلد من أزمته وفي إطعام أنفسنا وضمان أمننا الغذائي.

تعريف:
فارس مسدور، هو محلل اقتصادي وأستاذ محاضر في علوم الاقتصاد في الجزائر، في رصيده ثلاثة كتب اقتصادية متخصصة، حاصل على شهادة الليسانس في العلوم الاقتصادية تخصص "نظرية وتحليل اقتصادي" من جامعة الجزائر، وشهادة الماجستير في الاختصاص ذاته، ودكتوراه في العلوم الاقتصادية من جامعة الجزائر.



اقرأ أيضاً:لخضر بن خلاف:سنوات عجاف" أمام الجزائر بسبب السياسات 
المساهمون