فؤاد هاشم: "دواب" ترسم تاريخ البشر

30 يناير 2019
(الفنان في مرسمه)
+ الخط -

اهتمّ السرد العربي القديم بالحيوانات الذي أسقط عليه الكثير من السلوكيات والصفات البشرية، وحمل كل واحد منها رمزيته الخاصة فارتبطت صورته بدلالة معينة في المخيّلة، خلافاً للفنون التشكيلية التي ظلّ حضور الحيوان محصوراً فيها، وكانت أغلب توظيفاته في رسم الحياة الريفية أو تمثّلاته الأسطورية.

في معرضه الأول "دواب" الذي يُفتتح عند السابعة من مساء بعد غدٍ الجمعة في "Tree of Art Gallery" في بيروت ويتواصل حتى الخامس عشر من الشهر المقبل، يذهب التشكيلي اللبناني فؤاد هاشم إلى رصد هذه العلاقة التراكمية بين الإنسان وغيره من الكائنات عبر التاريخ.

يشير بيان المعرض إلى أن أعمال الفنان تنتمي إلى المدرسة الفطرية وتجسّد مجموعة من الأفكار الإنسانية في نطاق الجمال الشعبي والميثولوجي، ضمن مزيج من الألوان النارية والترابية، حيث تتعدّد الثيمات التي يتناولها من خلال لوحاته.

من المعرضلماذا "دواب"؟ سؤال يوجّهه هاشم في تقديمه للمعرض، ويعود في إجابته عنه إلى معنى المفردة لغوياً والذي يحيل إلى جمع دابّة وهي "كلُ ما يَدِبُّ على الأرض"، لافتاً إلى أنها "تطْلَقُ عَلَى مُخْتَلفِ الحَيَواناتِ وَمَا دَبَّ مِنْهَا، وَغَلَبَ عَلَى مَا يُرْكَبُ وَيُحْمَلُ عَلَيْهِ، إضافة إلى ما تفتحه الكلمة والمفهوم من بابٍ على معان أسطورية تؤرخ لمسيرة الإنسان وعلاقته بغيره من الكائنات، وبالتالي علاقته بنفسه".

تتكرّس هنا الفكرة الأساسية من العرض، فلا انفصال بين هذه الدواب وبين الإنسان ما يبعث على تأويلات متعدّدة لا تنتهي، وربما تظهره اللوحة التي تبرز جسداً أنثوياً برأس طائر تبدو بومة متمدداً فوق دابةٍ غير واضحة المعالم أيضاً كحصان أو ثور، وهي كما يبدو محاكاة لأسطورة ليليث التي انتقلت من الميثولوجيا البابلية إلى المسيحية، من طائر متوحّش لتصبح رمزاً للأنثى المتمردة وربما لأجل ذلك فإنها تعلو أو تقود دابتها.من المعرض

ويلفت هاشم إلى أنه "منذ أن ظهرت وحتى يومنا هذا كانت الدواب، مثل الفرس والبغل والثور، مرافقة لمسيرة البشر بكل تفاصيلها، فهي من أولى الكائنات التي جرى ترويضها، لتحتمل أعباء الإنسان ويؤمِّن من خلالها غذاءه وملبسه، وفي وقت لاحق استخدمها للزراعة والتنقل، فكانت بدايات التحوّل نحو المدنية والحضارة".

يضيف "لم يقتصر دورها على الغذاء والملبس والزراعة، لا بل دخلت في دائرة التقديس في كثير من الحضارات، فتمت أرشفتها في الكهوف في فترة ما قبل المدنية، وفي معابد حضارات ما قبل الميلاد، كالفرعونية والإغريقية والفينيقية الكنعانية وغيرها، بالإضافة إلى حضورها في الديانات السماوية كافة وصولاً إلى تمثيلاتها في الحضارات الحديثة".

من المعرضوهنا يصل الفنان إلى أن الدواب "من المخلوقات التي كثيراً ما قُتلت على يد البشر حتى دون قصد الحصول على الغذاء، كما قتل البشر بعضهم البعض في الحروب. لكنها استمرت بالتكاثر، ولم تنقرض كغيرها من الكائنات. ولم ينقرض البشر أيضاً".

تحمل هذه الرؤية استعارة رمزية مركبة حيث يشير إلى فعل القتل الذي مارسه الإنسان منذ الأزل من أجل السيطرة على الطبيعة وفرض نظامه، فكانت البداية بالحيوان ثم بدأت الحروب بين البشر أنفسهم، وإلى الولادة بوصفها تعبيراً عن استبدال الموت بالحياة.

في خمسة عشر عملاً، تمتاز بالرمزية والتكثيف والدقة في الأداء، يرسم فؤاد هاشم بحساسية تأمّلية حكاية الدواب كجزء من الحكاية الإنسانية، وتحديداً ما تُغفله هذه الحكاية من جور الإنسان في علاقته مع الكائنات الأخرى، المساهِمة المنسية في صُنع حضاراته. إنها عودة إلى حكاية مؤلمة مسكوت عنها وموغلة في القدم، بين الإنسان وبقية المخلوقات، والتي ينسى غالباً ويتناسى تاريخه معها.

المساهمون