عندما كنت في المرحلة الابتدائية، لا أذكر أن أحداً شجّعني على الذهاب إلى المكتبة المدرسية، أو دفع بي إلى قراءة أو استعارة الكتب. ما أذكره، هو أنني استعرت وقرأت بضعة كتب، لا أذكر عددها الآن، ولا محتواها، لكنها كانت أقل من أن تعدّ على أصابع اليد.
قرأت المجلات الأسبوعية المتداولة في التسعينيات، مثل مجلّتي "باسم" و"ماجد". أوّل الكتب التي اقتنيتها، كان "ألف ليلة وليلة"؛ اشتراه لي والدي، قبل أن أبلغ الثانية عشرة. لم يقتصر الأمر على عدم الاستفادة من المكتبة المدرسية كشأن شخصي؛ إذ لا أذكر أنني شاهدت زميلاً لي في تلك المرحلة، يقرأ، أو يستعير كتاباً. وكان هذا قبل اقتحام الإنترنت حياة السعوديين بعد 1999.
هذه التجربة، تخبرني عن مدى "غرابة" قرار وزارة التربية والتعليم السعودية، الذي صدر أول أمس، بسحب كتب اتُهمت بأنها "كتبٌ للإخوان" من المكتبات المدرسية، والتي شملت مؤلّفات لـ سيد قطب، وحسن البنا، وأبو الأعلى المودودي، و"مالك بن نبي".
وأضع مالك بن نبي بين علامتي تنصيص؛ لأن سياقه وأفكاره مختلفة تماماً عن البنا وقطب والمودودي، فهو تجاوز في أطروحاته أغلب ما قدّمه الإسلاميون الحركيون حتى اللحظة، باستثناءات طفيفة؛ ما يعني أن قرار سحب الكتب من مكتبات مهجورة أصلاً، ليس عشوائياً في فكرته فقط، بل في مضمونه.
سحب الكتب "الإخوانية" من المكتبات المدرسية خطوة دعائية. فالتنظيمات "الإرهابية" التي تريد إدارة التعليم محاربتها، لا تستخدم الكتب وحسب للترويج عن نفسها، بل ذهبت أبعد من ذلك بكثير، من خلال آليات التجنيد والاستقطاب ونشر رؤاها، إلى الحد الذي بات الخوف من "المحادثات" التي تجري في ألعاب الفيديو، أكبر بكثير من الخوف من قراءة كتاب قد يروّج لفكرٍ "إرهابي".
أصبح من المكرّر والبديهي الحديث حول إمكانية الحصول على أي كتاب عن طريق الإنترنت، وتحميله خلال ثوان، بما فيها أعمال "داعش"، وليس فقط مؤلّفات تُربط، اعتباطياً، بالإرهاب. اتهام الكتب "الإخوانية" بالمسؤولية عن الإرهاب، لا يختلف عن الاتهامات العشوائية والدعائية الموجهة إلى الكتب "السلفية"، والتي تتجاهل عوامل أخرى في تشكُّل الظاهرة، مثل الاستبداد وانهيار الدولة وغياب الديمقراطية، رغم أن تنظيم "داعش" حين صاغ كتبه "التعليمية" في مناطق سيطرته، استعان بأعمال سلفية، من كتابات "أئمة الدعوة النجدية"، لا كتب قطب والبنا.
على النقيض تماماً، يطرح مَن يمكن اعتباره منظراً لـ "داعش"، وإن كانت كتاباته سابقة على ظهور التنظيم، أن الأفراد التابعين للحركة الإسلامية؛ أي الشباب الذين يقرؤون كتب قطب والبنا والمودودي، ملوثون، وغير "صالحين" لـ "الاستهلاك الداعشي".
يكتب أبو بكر ناجي، في "إدارة التوحش" بشكل صريح وواضح، إنهم يعوّلون على "أبناء الأمة" من "شباب الأمة"، لا شباب "الحركة الإسلامية"، من أجل تجنيد نصف مليون "مجاهد" لمعاركهم.
يقول: "إمكانية ضم هذا العدد من أمة المليار، أسهل من ضمهم من شباب الحركة الإسلامية الملوّث بشبهات مشايخ السوء، فشباب الأمة أقرب إلى الفطرة... إن العامّي بفطرته تفاعل معها (أحداث احتلال العراق) أفضل بمراحل من قَعَدة الجماعات الإسلامية الذين سلّموا دينهم لأحبار ورهبان السوء". وهنا لا يتحدّث عن "علماء السلاطين"، بل عن الحركات الإسلامية بعمومها، ومنها تنظيم "الإخوان".
لسنا هنا في صدد الدفاع عن أدبيات الإخوان، والتي تم تجاوزها بمعايير بعض منظّري الحركة الإسلامية نفسها، لكن لا يمكننا بحال أن نتفهّم أو أن ندافع عن محاربة الكتب.