حرم ارتفاع الأسعار واحتكار المواد الصحية، العديد من السوريين، من فرصة النجاة من فيروس كورونا. فبعد أن حرمهم الغلاء من وسائل الوقاية، مع بداية تسجيل الإصابات في سورية، إذ ارتفع سعر الكمامة من 25 ليرة سورية إلى 500 ليرة، بحجة زيادة الطلب وعدم خضوع الكمامات إلى نظام التسعير من قبل الدولة، وصل اليوم الأمر، إلى حدّ حرمان مصابين من الأوكسجين، في ظلّ ارتفاع أسعار الأسطوانات وتوابعها.
مصادر محلية أفادت لـ"العربي الجديد"، بأنّ سعر الأسطوانة قفز خلال الأسابيع الأخيرة من 50 ألف ليرة إلى نحو 500 ألف ليرة، للذرائع نفسها، وسط توقّعات أن يرتفع سعرها أكثر، في ظلّ غياب مؤسسات الدولة وفلتان السوق.
وقال أسامة حمدي (43 عاما)، الموظف في دمشق، لـ"العربي الجديد"، إن "الحصول على أسطوانة أوكسجين أصبح أقرب إلى الحلم بالنسبة لأصحاب الدخل المعدوم وليس المحدود. راتبي بحدود 50 ألف ليرة، وسعر الأسطوانة 500 ألف ليرة، أحتاج لـ10 أشهر، من دون أكل أو شرب، لشرائها"، مضيفاً: "أطلب لبن العصفور ولا تطلب أسطوانة أوكسجين"،
وتابع: "أُصيب أخيراً والدي بالفيروس، لم نجد له مكاناً في المستشفى، ونصحنا أحد الأطباء بالعلاج المنزلي، لأن الضغط على المستشفيات كبير. في صراعه مع المرض، أُصيب بنقص أوكسجين. لا يمكن أن أصف تلك اللحظات التي تركت فيها أبي ينازع لالتقاط أنفاسه، ونزلت إلى الشوارع كالمجنون، أبحث عمّن يؤجّرني أسطوانة أو جمعية خيرية تساعدني. خارت قواي وأنا أركض من مكان إلى آخر، حتى كدت أفقد الأمل بأن أحصل على أسطوانة، وكل ما سيطر على تفكيري، هو كيف سأعود إلى البيت وأراقب والدي يلفظ أنفاسه الأخيرة، لأنني عاجز عن شراء أسطوانة أوكسجين له أو أن أدخله إلى مستشفى خاص. لكن الله يسّر لي أن أحصل على أسطوانة عبر إحدى المبادرات المدنية العاملة في مواجهة كورونا".
احتكار التجار وهلع الناس، كما عدم توفّر أماكن في المستشفيات، هي ما تسبّب برفع الأسعار، بحسب موزّع تجهيزات طبية طلب عدم الكشف عن هويته لأسباب خاصة. قال الموزّع في حديث مع "العربي الجديد" إنّ: "جميع التجّار وحتى الصيادلة والأطباء، والعديد من الأشخاص العاديين، شعروا أنّنا مقبلون على أزمة، إلاّ الحكومة وعلى رأسها وزارة الصحة".
وأوضح أنّه "منذ بدأت تتصاعد أعداد الإصابات يومياً، والمستشفيات بدت عاجزة عن استقبال المصابين. وازداد الحديث عن ضرورة العلاج في المنزل، فأصيبت الناس بالهلع، وراح كلّ من يستطيع تأمين أساسيات العلاج في المنزل، إن كان من الفيتامينات، التي قيل إنها تفيد في دعم المناعة، إلى الحصول على أسطوانة أوكسجين، يسعى إلى تأمينها، خاصة أنّ أسعار أسطوانات الأوكسجين ارتفعت بقفزات متسارعة، من 50 ألف ليرة إلى 90 ألفاً ومن ثم 250 فـ350، واليوم 500 ألف ليرة، وهناك من يتوق لأن يستمر الوضع على حاله حتى يصل سعرها إلى مليون ليرة".
وقال العامل في توزيع التجهيزات الطبية: "حتى توابع الأسطوانة، مثل ساعة الضغط، ارتفع سعرها من 25 ألفاً إلى 125، وجهاز قياس الأوكسجين في الدم من 40 ألفاً إلى نحو 150 ألفا"، ولفت إلى أنّ "الأزمة الأكبر، أنّ هذه الأسعار تسمعها من التجار لكن عندما تريد شراء أسطوانة، فغالباً ما يكون الجواب أنّها غير متوفرة حالياً، ويبدأ البازار والابتزاز".
وهناك سيل كبير من الذرائع التي يتم تداولها عبر وسائل الإعلام المحلية، حول أسباب ارتفاع أسعار أسطوانات الأوكسجين، من الجهات والأشخاص التابعين للنظام، والذين يحمّلون جميع أزماتهم للعقوبات الاقتصادية أحادية الجانب، إلى عدم استيراد كمية كافية من الأسطوانات، وأخيراً جشع التجار واحتكارهم المادة. لكن يغيب في المقابل أيّ دور لحكومة النظام لضبط العملية أو تحديد الأسعار أو حتى إيجاد بدائل، سوى تصريحات لتشخيص الأزمة ووعود بالعمل على الحلّ.
يُشار إلى أنّ وسائل إعلام محليّة، ذكرت أخيراً أنّ هناك دراسة لتسعير أسطوانات الأوكسجين الفارغة، نقلاً عن "مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك بريف دمشق"، وأوضح مدير تموين ريف دمشق، بسام شاكر، أنّ الأسطوانات لم تكن مسعّرة لأن استخدامها كان محصوراً بالمستشفيات، دون المتاجرة بها. ولفت إلى أنه لا مشكلة بتوفر الأوكسجين وإنما في عدد الأسطوانات المعدنية المحدود.
وأضاف شاكر أنّ الأسطوانات الفارغة مستوردة ولا تصنع محلياً، متحدثاً عن أن بعض الأشخاص يحتفظون بأسطوانة أوكسجين احتياطية في منازلهم، ما يؤثّر على عدد الأسطوانات المتاحة في السوق، ويحرم من هم بحاجة ماسة إليها.
يذكر أنّ وزارة الصحة وثّقت إلى اليوم 1927 إصابة بفيروس كورونا، توفي منهم 78 مصاباً، في حين تفيد مصادر طبية بوجود إصابات أضعاف هذا الرقم، مطالبين الناس بالالتزام بالإجراءات الوقائية، خاصة ارتداء الكمامة وتعقيم اليدين والمحافظة على التباعد الاجتماعي، إضافة إلى عدم التواجد في أماكن مزدحمة.