غش وتسريبات.. صوت الثورة الكامن في الطلاب

28 يونيو 2015
فلنجعلها ثورة من أجل تعليم محترم (Getty)
+ الخط -
لعلّ أخبار تسريب امتحانات الثانوية العامة تصير الأكثر توالياً على مسامعنا في تلك الآونة من كل عام، الأمر الذي يكشف عورات تأمين الامتحانات وخلل نُظُم المراقبة، كما يفضح استفحال عجز النظام التعليمي ليس فقط عن توفير إمكانات تعليم جيد في المدراس، إنما كذلك عن توفير فرص متكافئة لتقييم الطلاب تفصل بينهم بالعدل، ليتسنى الاطمئان لما ينبني على نتائج الامتحانات من تحديد للمسارات المتاحة لمستقبل كل طالب. 

لم يعد الغش سبيل الطالب الكسول ضعيف القدرات وحده، إنما صار صوت الثورة الكامنة في نفوس الطلاب احتجاجاً على ما يكابدونه من تدهور في النظام التعليمي. ونتيجة لعصيانه على التطور، فقد طوّر الطلاب بنى فكرية لإخراس أية ممانعة أخلاقية تجابههم، على طريقة "على أد فلوسهم"، الحجة الدفاعية التي يتبناها بعض معلميهم مثل أغلب موظفي الدولة، وما عاد ينطلي عليهم الخطاب الوعظي الذي يندد بالغش كسلوك غير أخلاقي، ولسان الحال: أين هو ذاك الخطاب من المعلمين الذين يستمرئون نهش دخول الأسر في الدروس الخصوصية، وأين هو من المسؤولين عن وضع المناهج التي لا تعود عليهم بأي طائل من وراء اجترارها؟ وأين هو من المدارس المتهالكة المختنقة بطلابها؟ وأين هو من مشاهدات كثيرة؟! ولعل ذلك هو الملمح الأخطر في ظاهرة تسريب الامتحانات كونها تتخطى الغش كسلوك بشري سالب إلى كونه وسيلة تحفظ مبرراتها للخلاص من مأزق التعليم الخانق!


نتج ذلك أيضاً عن سياسة تلبيس كافة مسؤوليات النظام التعليمي في رقبة المعلم وحده، من دون توافر حد مقبول من الإمكانات والقوانين والنظم الإدارية التي تيسّر عليه حمل المسؤولية المنوطة، فيما انحرف دور المسؤولين لجلادين يرسلون ويلاتهم تهديداً للمعلمين المخالفين! من ذلك ما يحكيه بعض المعلمين عن أحد أبجديات أعمال الملاحظة في الامتحانات والتي يلوكها محاسبوهم لتوريطهم في حمل مسؤوليةٍ عَدِموا من يحملها، وهي: "زعم بأن دور المعلم "الملاحظ" أن يمنع الغش وليس أن يضبط الغشاش"! كيف يمنعه؟ هكذا تركت مفتوحة، والمسؤولية نصيب المعلم في كل الحالات، إن رفع صوته محذراً، حوسب على إثارة البلبلة في اللجنة الامتحانية، فالتعليمات جاءت بتوفير أجواء هادئة للطلاب، وإن ضبط الطالب متلبساً، دُفع بالمعلم لتحقيق قانوني عقيم يَستدعي الشهود ويستمع للأقوال، ثم لن يفلت المعلم من تحميله الخطأ، وعلى هذا المنوال، فقد هدد وزير التربية والتعليم أخيراً بحرمان المعلم "خمس سنوات من المشاركة في أعمال الامتحانات، إضافة إلى حسم شهرين"، إذ ثبت تسرّب الامتحان في اللجنة التي يُراقب عليها، ولم يُذكر شيء بخصوص الطالب الذي يغش! لذلك يبتعد أغلب المعلمين عن اتخاذ إجراءات تصعيدية.


قد لا تمثل التسريبات إلا حالات فردية، ولكن كثرة المستور بعيداً عن الأضواء مهّد للانطلاق لمرحلة اللعب المكشوف، فما عاد أحد قادراً على تكبّد عورات المنظومة بمفرده. إن كان المعلم رفع يديه استسلاماً واختار لعبته الرابحة، "الدروس الخصوصية"، فإن الطالب كذلك قرر ألا يضيّع ما دفعه هباءً.. سيسترده درجات غير مستحقة وشهادات تستر أميته. والمرة ليست الأولى، فقد بدأ تسريب الامتحانات يسطر تاريخاً عن صعود الغش والعجز والعشوائية وسط أجواء الهبوط.

اقرأ أيضا:
تعليم الـ 3 ملايين رأس جاموس!
طلبة الصين.. لا "اختبارات" بعد اليوم
"أنا اسمي زفتة".. هكذا اعترضت الصغيرة
أيها التلميذ... "وما رأيك؟"


المساهمون