يقف الشاب العراقي، أحمد عبدالقادر، على حافة طريق في منطقة المعارض وسط العاصمة بغداد، ممسكاً بيده قطعة قماش وصنبور ماء هما كل رأس ماله في مهنة غسل السيارات التي بدأت تحجز مكانها على الأرصفة في مناطق عدة، كوسيلة للهروب من الفقر والبطالة المتفاقمة في البلد النفطي.
وحتى وقت قريب لم يكن لمهنة غسل السيارات على الأرصفة انتشار، لكنها أصبحت ملحوظة بكثرة في المناطق القريبة من نهري دجلة والفرات أو أي مصادر مياه أخرى، فضلا عن مواقف السيارات والأسواق.
ويقول عبدالقادر، البالغ من العمر 22 عاماً، لـ"العربي الجديد"، إن "تنظيف السيارات يساهم في توفير لقمة العيش، وهي مهنة لا تحتاج إلى تعب كبير".
ولا يتطلب العمل في هذه المهنة سوى الحصول على مصدر مياه وقطعة قماش وبعض الملمعات الرخيصة المتوفرة بالأسواق، وفي بعض الأحيان مكنسة كهربائية لتنظيف السيارة من الأتربة داخلها، وفقاً للشاب العراقي.
ويضيف "يبدأ عملنا منذ السادسة صباحاً وحتى المساء، حيث هناك بعض أصحاب السيارات يرغبون بأن تكون سياراتهم نظيفة حين يذهبون إلى مواقع عملهم".
ويتابع "غالبا ما تأتي السيارة إلينا محملة بالأتربة والأوساخ، لكنها تخرج من عندنا في أبهى صورها، وتستغرق عملية التنظيف حوالى نصف ساعة، وكل هذه الخدمة مقابل 10 آلاف دينار عراقي (8 دولارات)، ونحن نعتبر من أوائل العاملين في هذه المهنة، ولنا زبائن يأتون لتنظيف سياراتهم بشكل دوري".
وعن الأموال التي يجنيها عن عمله، يؤكد "جني المال حسب الزبائن، ففي بعض الأيام، خاصة الإثنين والخميس من كل أسبوع، حيث إن حركة بيع وشراء السيارات تكثر في منطقة المعارض، ويأتي إلينا أكثر من 40 شخصا في هذه الأيام لغسل سياراتهم لعرضها في المعارض للبيع، ونجني ما لا يقل عن 150 ألف دينار (124.6 دولاراً) لكل عامل".
ويقول "نعمل في هذا الموقع ثلاثة أصدقاء، نقسم العمل بيننا، وفي نهاية اليوم نحسب ما قد
كسبناه من العمل ويُقسم على الثلاثة".
اقرأ أيضاً: العراق يوفر مقابلاً مادياً للسلع المدعمة
ويتابع أن "الأمانة ضرورية في عملنا، لأن سائق المركبة يسلمنا مفاتيح السيارة ويذهب، وأكثر من مرة نصادف كميات كبيرة من المال والذهب، فنقوم بإعادتها لأصحابها، الذين بدورهم يرفعون سعر التنظيف بمضاعفة المال، كدليل على أمانة العاملين في هذا الموقع".
وبحسب عضو نقابة العمال في العراق، عمر عبدالعزيز، فإن مهنة غسل السيارات تعتبر من الأنشطة الاقتصادية، التي توفر فرص عمل للكثير من العاطلين، مقدراً عدد العاملين في هذه المهنة بنحو 30 ألف شخص، حسب إحصاءات نقابة العمال.
ويشير عبدالعزيز، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن الأنشطة الاقتصادية التي توفر فرص العمل للعاطلين، يجب الاهتمام بها، خاصة أن الأزمة المالية وحالة التقشف التي تضرب البلاد، ساهمت في إهمال الكثير من الأنشطة.
ويعاني العراق، المنتج للنفط، من أزمة مالية حادة وارتفاع في معدلات البطالة، بسبب تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية، وارتفاع كلفة الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، الذي يسيطر على مساحات واسعة من شمال وغرب العراق.
ووفق البيانات الرسمية، فإن الموازنة العراقية للعام الحالي 2015، تبلغ نحو 105 مليارات دولار، مسجلة عجزاً بنحو 21 مليار دولار، وسط توقعات ببلوغها 40 مليار دولار، في ظل استمرار التردي الاقتصادي للبلاد.
ويقول حسين الربيعي، أحد أصحاب محال بيع منظفات السيارات، إنه يتم استيراد المنظفات الخاصة بعملية تنظيف السيارات من الصين وكورية الجنوبية عبر تجار.
ويشير الربيعي، في تصريح خاص، إلى أن الأسعار تختلف حسب المنتج، موضحا أن عبوة التلميع تصل إلى 13 ألف دينار (10.8 دولارات)، وهناك طلب وسحب كبير على عبوات التنظيف والتلميع من قبل منظفي السيارات في بغداد والمحافظات.
ويضيف أن "تجارة كماليات السيارات تشهد انتعاشاً كبيراً، رغم حالة الركود الحاصلة في قطاع السيارات، وهناك باعة مختصون بغسل السيارات يشترون مجموعة مختلفة من العطور لغرض جعل السيارة نظيفة وجميلة وذات رائحة زكية"، لافتاً إلى أن" المهارة ولباقة اللسان يساهمان في دفع الزبون المال الجيد للمنظف إذا رضي عن عمل المنظف في تنظيف وتلميع السيارة".
ويبحث الكثير من العراقيين عن مخرج لأزماتهم المعيشية، عبر امتهان أعمال تدر عليهم أموالاً، لا تتطلب في الغالب إتقان حرف بعينها أو شهادات دراسية، لتفادي مأزق البطالة الذي تعانيه البلاد.
اقرأ أيضاً: الأوضاع الأمنية تجبر العراقيين على التقشف