غزّاويات: الحماة والسبع كنّات والحرب

04 اغسطس 2014
من مخيم خانيونس (محمد عبد/AFP/Getty)
+ الخط -

تزوّج الأشقّاء السبعة، وأصبح لكلّ واحدٍ منهم بيته المستقلّ بعيداً عن بيت العائلة، حيث نشأوا وتربّوا في مخيم خانيونس للاجئين، جنوب قطاع غزّة. كلّ واحد بات يمتلك شقّة فاخرة في عمارة سكنية داخل أحد الأحياء الراقية، مزوّدة بكلّ وسائل الرفاهية مقارنة ببيت المخيّم الذي مازال على حاله منذ سنوات طويلة، بسقفه القرميدي وحمّامه المصمم على الطراز القديم، وبلاط أرضيته المتشقّق.

زوجات الأشقّاء السبعة، وبعد وفاة الأب منذ سنوات قليلة، اعتبرنَ زيارة الأم، التي تعيش وحيدة في هذا البيت، واجباً ثقيلاً. ولا تزيد هذه الزيارة، المتباعدة، عن ساعات قليلة يُظهرنَ خلالها تأفّفهنَّ من أوضاع البيت. تروح كلّ منهنّ تستعرض أمام الأخرى ما يحويه بيتها الحديث، من فاخر الأثاث وحديث الأدوات، ويتشدّقن ويتفاخرنَ بما يجلبه أزواجهنَّ لهنَّ من هدايا وأطعمة.

إذن اللقاء بين "السلفات" عبارة عن حرب باردة تعود بعدها كلّ واحدة إلى بيتها بطلبات جديدة من الزوج. كأن تطلب منه تغيير طقم الكنبات كما حصل في شقّة زوجة الأخ الاكبر، أو طلاء غرفة نوم الأطفال مثل غرف نوم شقّة الابن الأصغر.

مع بداية الحرب باتت شقق الأبناء السبعة في مرمى النيران لأنّها تقع على حدود المدينة. ووصلتهم من خلال هواتفهم الأرضية، على التوالي، رسائل تهديد صوتية تطلب منهم إخلاء بيوتهم حتّى لا يتعرّضوا للموت، لأنّ قوات الاحتلال تسعى لاحتلال الحدود بهدف السيطرة على نشاط المقاومة الفلسطينية التي تلقي عليها بالصواريخ، بلا هوادة، ردّاً على العدوان الإسرائيلي.

وبلا هوادة أيضاً اجتمع الإخوة السبعة بزوجاتهم وأطفالهم عند الأم في بيتها القرميدي في المخيم، وأبدت الأم سعادتها باجتماعهم الاضطراري، وبدأت، رغم ظروف الحرب القاهرة والصعبة، تمارس دور الحماة على الكنّات السبع.

ازدحم البيت الصغير بالأبناء والزوجات والأحفاد وتعاون الأبناء في توفير المياه من مضخّة مياة قريبة، بسبب انقطاعها عن حنفيات البيت. وتعاونت الزوجات السبع في ترتيب البيت الصغير وتهيئته ليناسب هذا التجمع البشري المفاجئ.

ألفة غير طبيعية بدأت تسود بين أبناء العمّ الذين اكتسبوا العداوة والشحن سابقاً من أمّهاتهم، وباتوا يجتمعون في باحة البيت الصغيرة، يلعبون الألعاب الشعبية التي كان يلعبها آباؤهم ذات يوم، التي شرحت لهم الجدّة كيفية لعبها.

الشيء الوحيد الذي لم تستطع هذه الظروف منعه هو المنافسة بين الكنّات السبع في التقرب من الحماة لنيل رضاها وكسب ودّها، كي تشيد بكلّ واحدة على حدة أمام الجارات اللواتي يجتمعن عند الحماة العجوز، تلك التي أجادت اللعبة. إذ إنها لا تمتدح كنّة في حضور الأخرى، وتصوّر لكلّ واحدة أنّها أفضلهنّ جميعاً.

"ما أحلى الرجوع إليه"، هكذا حدّثت الحماة العجوز نفسها.

دلالات
المساهمون