غزة ومتتالية "التدمير والتعمير"

18 أكتوبر 2014
+ الخط -

انعقد في القاهرة، في الثاني عشر من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، مؤتمر للدول المانحة، لدراسة كيفية إعادة إعمار قطاع غزة، برعاية مشتركة للنرويج ومصر، وتحت رئاسة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وموفدين من خمسين دولة، بالإضافة إلى منظمات دولية وإقليمية وممثلين عن هيئات إغاثية ومنظمات دولية وسياسية، وبلغت التعهدات المالية للأعضاء بـ 5.4 مليارات دولار، سيذهب نصفها لإعادة إعمار القطاع، بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة عليه.

ويأتي المؤتمر، وهو الثالث من نوعه، وسط مخاوف المراقبين من عدم نجاحه، أو تحقيق أهدافه، نتيجة عقبات عديدة قد تبدأ من عدم وجود رادع أو ضمانات تمنع إسرائيل من تكرار العدوان وشن هجمات جديدة على غزة، ولا تنتهي بوفاء المانحين بتعهداتهم، كما حصل في مؤتمرات سابقة عقدت للهدف نفسه، في باريس عام 2007، ثم في شرم الشيخ عام 2009.

ويثير انعقاد المؤتمر الجديد أسئلة عديدة حول نجاحه من عدمه، وثمة خشية لدى مراقبين كثيرين، من أن تؤدي عدة أسباب إلى انحراف المؤتمر عن أهدافه، منها: عدم توفير الأموال اللازمة، نتيجة عدم الوفاء بالتعهدات كما جرت العادة عليه، على الرغم مما تم إعلانه، فحتى وإن تعهدت الدول المانحة بتقديم مساعدات مالية، فذلك لا يعني أنها التزمت فعلياً بتقديم الأموال. وستحدد الفترة المقبلة الحجم الحقيقي للمساعدات المالية، وهذا هو التحدي. وهنا، يمكن الإشارة إلى وعود سابقة أطلقتها دول عربية وغربية، بإقامة مدن وضواحٍ سكنية في قطاع غزة، إثر الحربين العدوانيتين الإسرائيليتين، على قطاع غزة، عامي 2009 و2012، ولم ينفّذ إلا حوالي 20٪ من التعهدات.

ثاني الأسباب احتمال عودة الخلافات بين حركتي فتح وحماس، واهتزاز سفينة المصالحة الفلسطينية، حول قيادة عملية الإعمار، وهو ما تجلى في خطابات معظم من شارك في المؤتمر، والذين أكدوا أن انطلاق عجلة الإعمار مرتبطة بعودة السلطة الفلسطينية إلى غزة، ما يجعل المسألة برمتها رهناً بالتطورات السياسية، وليس استجابة للاحتياجات الإنسانية. ويرتبط السبب الثالث بالموقف الاسرائيلي من مؤتمر إعادة الإعمار، وعرقلة أي جهود في هذا السياق، فإسرائيل تسيطر على المعبر بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وتضع القيود على التجارة بين غزة والضفة، وعلى الدخول إلى أسواق العمل..إلخ. وكل المواد التي تدخل في عملية الإعمار ستكون بإشراف مباشر من السلطة الفلسطينية، وسيتعين عليها المرور بالقرار الإسرائيلي، أولاً، بعد مفاوضات شاقة مع السلطة الفلسطينية، يتقرر فيها ما إذا كانت ستتم عملية إعادة الإعمار بالشكل المطلوب.

وذلك يعني من جملة ما يعنيه أن البدء بالإعمار وتسلّم الأموال سيظل مرهوناً بتقديم تنازلاتٍ سياسيةٍ، وضمانات من السلطة الفلسطينية لتل أبيب، أقله المحافظة على التهدئة، وأيضاً بمستوى باروميتر العلاقة بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس. ولذلك، إن غابت إسرائيل عن المؤتمر، ولم تشارك فيه، فإنها صاحبة القول الفصل بشأن تنفيذ قراراته.

وعلى الرغم من أهمية مؤتمر القاهرة للمساهمة في إزالة آثار العدوان الإسرائيلي على القطاع والتخفيف عن الغزيين، إلا أنه، في واقع الحال، لم يحدد موقفاً واحداً تجاه المسبب الرئيس للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ولما جرى في العدوان على القطاع، وهو الاحتلال المستمر والذي قد تسبب في كل هذا الدمار. ولا يزال هؤلاء ينظرون إلى قطاع غزة المحاصر، وإلى قضية فلسطين بالعموم، باعتبارها قضية إنسانية إغاثية، أو يتم وضعها على مائدة الأعمال الخيرية وبازاراتها.

وعليه، فإن تكرار المآسي والحروب وطلب الإعمار كل عامين يفترض معالجته بوضع حد للاحتلال الإسرائيلي، إذا كان الهدف، بحد ذاته، ضمان الأمن والاستقرار على المدى البعيد، فاجتماع عشرات الدول والمنظمات الدولية والسياسية، وعشرات وزراء الخارجية العرب والأجانب، سيكون تكراراً لمؤتمري 2007 و2009، الأمر الذي لم يعد يترك أملاً كبيراً للفلسطينيين بعدم تكرار عدوان إسرائيلي جديد، ويجعل الفلسطينيين أنفسهم يشعرون بأن جل الاهتمام الدولي صوري وتذكاري، وأقرب ما يكون إلى فضيحةٍ، تضاف إلى جملة فضائح تداري واقع المجزرة والإبادة الجماعية الممنهجة التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين بين فترة وأخرى.

... انتهى المؤتمر بتأمين أكثر من نصف احتياجات قطاع غزة لإعادة الإعمار، ومثل هذا المبلغ سيتم تخصيصه لغايات إنعاش اقتصاديات القطاع، ودفع عجلتها إلى الأمام. لكن السؤال المطروح: هل ستصل هذه الأموال حقاً؟ هل سيكون مؤتمر الإعمار، هذه المرة، مختلفاً عن السابق؟ كم عدد الصناديق التي بقيت خاوية، على الرغم من الوعود والتعهدات التي قطعت أمام وسائل الإعلام، وقد تبخرت وتحولت إلى رزمة قرارات، كسابق المؤتمرات، بينما بقيت المسائل الأصعب والأعقد بعيدة عن مائدة التداولات، وفي مقدمتها إنهاء الاحتلال وفك الحصار عن قطاع غزة.

إذا استمر الوضع الراهن مثل سابقه، فسوف تظل عملية إعادة إعمار غزة بشروط الدول المانحة مؤجلة، وتتراكم استحقاقاتها يوماً بعد يوم، ونصل، في نهاية المطاف، إلى نتيجة مفادها بأن ما بذله المجتمعون في المؤتمر من جهد ليس سوى إعادة تدوير لتعهدات مضت، وبقيت مؤجلة، بينما تتكرر استحقاقاتها وتتراكم، يوماً بعد يوم، أمام متتالية "التدمير ثم التعمير".

3467CF47-90FA-451A-87BD-72D9E261E143
خالد وليد محمود

كاتب وباحث، نشرت دراسات ومقالات عديدة. وله الكتب "شبكات التّواصل الاجتماعي وديناميكية التّغيير في العالم العربيّ" و"آفاق الأمن الإسرائيلي: الواقع والمستقبل" و"مراكز البحوث في الوطن العربي" و"قلاع اللغة العربية ورياح الثورة الاعلامية". ماجستير في العلاقات الدولية من الجامعة الأردنيّة.