12 نوفمبر 2024
غزة وسؤال توقف العدوان فجأة
من المرّات النادرة في سجل الصراع المديد مع الاحتلال، وعلى العكس مما درج عليه معظم ردود الفعل الفلسطينية السابقة ضد الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة، جاء رد فعل المقاومة في غزة، قبل أسبوعين، على العملية الاستخبارية الفاشلة في خان يونس، رداً بعيداً عن الانفعال والعشوائية والارتجال، وبدا أداؤها العسكري متسماً بالانضباط والعقلانية والتخطيط المسبق، على الرغم من فداحة الخسارة البشرية (سبعة شهداء) وخطورة ذلك الخرق الأمني الذي لم تعرف غاياته بعد.
أحدث ذلك الأداء المشرّف من المقاومة ما يشبه هزة أرضية خفيفة على الجانب الآخر، تجلت مظاهرها في الأزمة التي عصفت بالائتلاف الحكومي، وكادت تُعجّل بإجراء انتخابات عامة مبكرة، وظهرت تعبيراتُها الواضحة أيضاً في الاعتصامات وقطع الطرق، التي بادر إليها المستوطنون في غلاف غزة، فضلاً عن المظاهرات الاحتجاجية في تل أبيب، وحدّث ولا حرج عن سيلٍ من المقالات والتعليقات، حفلت بها وسائل الإعلام العبرية على مدى أيام لاحقة، وكلها تحدّثت عن اعتباراتٍ يجب إخفاؤها في ما يتصل بوقف الحرب ضد غزة.
ما نحن بصدده في هذه المطالعة، هو محاولة الإجابة على سؤال وقف إطلاق النار المفاجئ من قوات الاحتلال، في مشهدٍ بدت فيه هذه القوات المدجّجة بمشاعر الغطرسة والكراهية وعوامل التفوق العسكري، مُكرهةً على التوقف، مرغمةً على الانحناء، ولو مؤقتاً، إن لم نقل التسليم بخسارة هذه الجولة التي أوهنت الردع الإسرائيلي أكثر من ذي قبل، وكسرت الصورة النمطية، مجدّداً، عن الجيش الذي لا يُقهر، وضاعفت من إلحاح سؤال وقف إطلاق النار، والذي لا يزال مطروحاً.
في تعليل أسباب هذا التوقف المصادَق عليه بالإجماع من "الكابنيت" الإسرائيلي، وقادة الأمن، ساد تفسيران قائمان على الظن والتخمين، الأول مفاده بأن التصعيد كان سيقوّض ترتيباتٍ سياسية إقليمية قيد الإنجاز على نار بطيئة، لا يجدر بحكومة نتنياهو تخريبها الآن، لا سيما وأن الولايات المتحدة، المتهيئة لطرح ما تسمّى صفقة القرن، لا تزال في طور استكمال متطلبات هذه الصفقة، وهذا تقديرٌ أحسب أنه ضعيف، وغير مسنود بأي معطيات ملموسة، بل وغير كافٍ لتسوّغ إكراهات وقف إطلاق نار، بدت فيه يد إسرائيل هي السفلى.
التفسير الثاني الأكثر رجحاناً أن هناك هدفاً استراتيجياً لدى إسرائيل أكبر بكثير من هدف ترميم قوة الردع أمام المقاومة في غزة، وربما أكثر إلحاحاً من المضي في مواجهة محسوبة، يمكن التحكّم بها، وإرجاء توقيتها، فيما تلوح في أفق أبعد قليلاً مظاهر منازلة أهم وأشمل وأشد خطورة، تحسب لها المؤسّسة الأمنية الإسرائيلية الحساب كله، ونعني بذلك ما يجري من استعداداتٍ استخبارية ولوجستية، تتعلق بحربٍ ثلاثية الأطراف (إيران وحزب الله وحركة حماس) قد تبادر إليها إسرائيل بعملية استباقية، أخذت تشي بها أخيرا بعض الدوائر الإعلامية والسياسية.
ارتفعت حرارة السؤال السابق أكثر، حين أخذ نتنياهو يلمّح إلى وجود تهديد أمني ثقيل، أثقل مما يُشكله تهديد غزة، تجمعت نذره في الشمال، وبات على درجةٍ قصوى من الإلحاح، ما يقتضي المبادرة بعملية استباقية. كما أوحى رئيس الحكومة اليمينية أن هناك شيئاً ما يُدبر في الخفاء، تفاصيله لدى هيئة الأركان، لا ينبغي الحديث عنه أمام جمهور لا يزال تحت الصدمة، إن لم نقل الغيظ، إثر انتشار مشاهد احتفال الغزّيين، في الشوارع، بما اعتبروه نصراً مستحقاً.
ومع أنه يجدر بنا التحفظ على ما يروّجه نتنياهو عن تهديد استثنائي مفاجئ يحيق بإسرائيل، يتطلب صدّه استمرار زعيم "الليكود" في دست الحكم، إلا أنه من غير الممكن، ولا من الصواب أيضاً، التمسك على طول الخط بالرأي القائل إن نتنياهو كذّاب بالفطرة، وإن تلميحاته المتكرّرة عن حربٍ وشيكة، مجرّد كلام فارغ، الغاية منها البقاء في الحكم، فيما يتم إنضاج خياراتٍ بديلة، أمام من أسميهم "الذئاب الجريحة"، بما في ذلك خيار العدوان مجدّداً على غزة، بصورة أشمل وأعمق من الجولة السابقة، وهو ما يستدعي الحذر أكثر، وعدم الانجراف.
أحدث ذلك الأداء المشرّف من المقاومة ما يشبه هزة أرضية خفيفة على الجانب الآخر، تجلت مظاهرها في الأزمة التي عصفت بالائتلاف الحكومي، وكادت تُعجّل بإجراء انتخابات عامة مبكرة، وظهرت تعبيراتُها الواضحة أيضاً في الاعتصامات وقطع الطرق، التي بادر إليها المستوطنون في غلاف غزة، فضلاً عن المظاهرات الاحتجاجية في تل أبيب، وحدّث ولا حرج عن سيلٍ من المقالات والتعليقات، حفلت بها وسائل الإعلام العبرية على مدى أيام لاحقة، وكلها تحدّثت عن اعتباراتٍ يجب إخفاؤها في ما يتصل بوقف الحرب ضد غزة.
ما نحن بصدده في هذه المطالعة، هو محاولة الإجابة على سؤال وقف إطلاق النار المفاجئ من قوات الاحتلال، في مشهدٍ بدت فيه هذه القوات المدجّجة بمشاعر الغطرسة والكراهية وعوامل التفوق العسكري، مُكرهةً على التوقف، مرغمةً على الانحناء، ولو مؤقتاً، إن لم نقل التسليم بخسارة هذه الجولة التي أوهنت الردع الإسرائيلي أكثر من ذي قبل، وكسرت الصورة النمطية، مجدّداً، عن الجيش الذي لا يُقهر، وضاعفت من إلحاح سؤال وقف إطلاق النار، والذي لا يزال مطروحاً.
في تعليل أسباب هذا التوقف المصادَق عليه بالإجماع من "الكابنيت" الإسرائيلي، وقادة الأمن، ساد تفسيران قائمان على الظن والتخمين، الأول مفاده بأن التصعيد كان سيقوّض ترتيباتٍ سياسية إقليمية قيد الإنجاز على نار بطيئة، لا يجدر بحكومة نتنياهو تخريبها الآن، لا سيما وأن الولايات المتحدة، المتهيئة لطرح ما تسمّى صفقة القرن، لا تزال في طور استكمال متطلبات هذه الصفقة، وهذا تقديرٌ أحسب أنه ضعيف، وغير مسنود بأي معطيات ملموسة، بل وغير كافٍ لتسوّغ إكراهات وقف إطلاق نار، بدت فيه يد إسرائيل هي السفلى.
التفسير الثاني الأكثر رجحاناً أن هناك هدفاً استراتيجياً لدى إسرائيل أكبر بكثير من هدف ترميم قوة الردع أمام المقاومة في غزة، وربما أكثر إلحاحاً من المضي في مواجهة محسوبة، يمكن التحكّم بها، وإرجاء توقيتها، فيما تلوح في أفق أبعد قليلاً مظاهر منازلة أهم وأشمل وأشد خطورة، تحسب لها المؤسّسة الأمنية الإسرائيلية الحساب كله، ونعني بذلك ما يجري من استعداداتٍ استخبارية ولوجستية، تتعلق بحربٍ ثلاثية الأطراف (إيران وحزب الله وحركة حماس) قد تبادر إليها إسرائيل بعملية استباقية، أخذت تشي بها أخيرا بعض الدوائر الإعلامية والسياسية.
ارتفعت حرارة السؤال السابق أكثر، حين أخذ نتنياهو يلمّح إلى وجود تهديد أمني ثقيل، أثقل مما يُشكله تهديد غزة، تجمعت نذره في الشمال، وبات على درجةٍ قصوى من الإلحاح، ما يقتضي المبادرة بعملية استباقية. كما أوحى رئيس الحكومة اليمينية أن هناك شيئاً ما يُدبر في الخفاء، تفاصيله لدى هيئة الأركان، لا ينبغي الحديث عنه أمام جمهور لا يزال تحت الصدمة، إن لم نقل الغيظ، إثر انتشار مشاهد احتفال الغزّيين، في الشوارع، بما اعتبروه نصراً مستحقاً.
ومع أنه يجدر بنا التحفظ على ما يروّجه نتنياهو عن تهديد استثنائي مفاجئ يحيق بإسرائيل، يتطلب صدّه استمرار زعيم "الليكود" في دست الحكم، إلا أنه من غير الممكن، ولا من الصواب أيضاً، التمسك على طول الخط بالرأي القائل إن نتنياهو كذّاب بالفطرة، وإن تلميحاته المتكرّرة عن حربٍ وشيكة، مجرّد كلام فارغ، الغاية منها البقاء في الحكم، فيما يتم إنضاج خياراتٍ بديلة، أمام من أسميهم "الذئاب الجريحة"، بما في ذلك خيار العدوان مجدّداً على غزة، بصورة أشمل وأعمق من الجولة السابقة، وهو ما يستدعي الحذر أكثر، وعدم الانجراف.
دلالات
مقالات أخرى
05 نوفمبر 2024
29 أكتوبر 2024
22 أكتوبر 2024