يظل الغرافيتي من الفنون التي تجد صعوبة في التموقع على خارطة الفن، فقلّما اعتبر النقّاد ومؤرّخو الفن رسّامي هذا الشكل الإبداعي فنانين بنفس المعنى الذي يمنحونه لمنتجي اللوحات والمنحوتات وحتى أشكال إبداعية حديثة مثل التنصيبات.
بدأ هذا الوضع يتغيّر في السنوات الأخيرة، حيث ظهرت دراسات أكاديمية جعلت من الغرافيتي محور اهتمامها، كما صدرت كتب تؤرّخ لظهور هذا الشكل الفني ومحاولة فهم البلاغة التي يقترحها خصوصاً مع بروز أسماء بات من أشهر المنتسبين للفنون البصرية مثل البريطاني بانكسي والفرنسي إنفيدر والتونسي إل سيد.
يبدو أن هذا الاهتمام بدأ يأخذ أبعاداً أكبر وهو ما يشير له اعتبار أن بعض رسومات الغرافيتي تمثّل معالم في المدن التي تظهر فيها، وهي الفكرة التي اعتمدتها جمعية "تاليفيرا" الفرنسية حين اقترحت أمس الخميس جولة يشرف عليها باحثون في الفنون المعاصرة لأبرز أعمال الغرافيتي في باريس اليوم حيث باتت بعض الرسومات معالم جديدة يبحث عليها زائرو باريس كما يبحثون على معالم شهيرة أخرى مثل حي مونمارتر الذي سكنه فان غوخ وبيكاسو أو مقهى "ليدو ماغو" الذي كان يؤمّه جان بول سارتر وسيمون دي بوفوار.
يُذكر أن جمعية "تاليفرا" متخصّصة في الجولات الثقافية، لكنها عادة ما تكون ضمن ثيمة معينة تقترب من قضية ثقافية عامة أو تتخذ زاوية لقراءة معمار باريس من خلال تاريخ الفن أو تاريخ العمارة، فمثلاً من جولاتها السابقة جولة تبحث في تاريخ النسوية في باريس من خلال المرور من مجموعة أعمال فنية أنجزتها فنانات، وقبل ذلك أنجزت جولات حول التاريخ السياسي للمدينة بالمرور على معالم حرص مجسّدوها على تخليد حدث في تاريخ فرنسا من آثار ملوك أسرة بوربون الملكية إلى أثر اعتراف فرنسا ببعض من جرائمها الاستعمارية بتخصيص معالم لزعماء النضال الوطني في الجزائر وتونس والبلدان الأفريقية.
لكن كيف جرى التفكير في الغرافيتي كمحور لجولة "تاليفيرا" الجديدة؟ هنا يشير البيان التقديمي للجولة أن فكرتها أتت من تعدّد زيارات السوّاح لرسومات أنجزها الفنان مجهول الهوية بانكسي كان ينتقد فيها سياسات الهجرة التي تتبعها فرنسا. أخذت هذه الرسوم بعداً سياسياً ملحوظاً حيث مثلت ظغطاً على المسؤولين وحضرت في معظم وسائل الإعلام ما أنتج رغبة في مشاهدتها على الحيطان التي أنجزت فوقها.
أما السبب الثاني، فهو الضجة التي حدثت في وسائط التواصل الاجتماعي في 2018 على إثر قرار بلدية باريس دهن إحدى الرسومات التي أنجزها إنفيدر. وهي حادثة أثبتت أن الباريسيين باتوا يعتبرون عدداً من أعمال غرافيتي جزءاً من هوية مدينتهم.