عين العرب بلا "داعش"... والأكراد يحصدون النتائج

حلب

رامي سويد

avata
رامي سويد
إسطنبول
عبسي سميسم (العربي الجديد)
عبسي سميسم
عبسي سميسم. صحافي سوري؛ مدير مكتب سورية في موقع وصحيفة "العربي الجديد".
28 يناير 2015
56441FF3-D09C-4DDF-A167-BCB54D3DCC4F
+ الخط -
شكّلت مدينة عين العرب، منذ دخول تنظيم "داعش" إليها قبل أشهر، مختبراً لجميع تعقيدات المسألة السورية. ومن هذا التعقيد، استطاع "داعش" المناورة والاستفادة من الظروف لتأخير هزيمته في وجه القوات الكردية السورية ومساندة فصائل من الجيش الحر وأكراد العراق وتركيا، وطائرات التحالف الدولي وأسلحته الكثيرة التي وصلت إلى يد القوات الكردية، ولا تزال محرومة منها قوات "الجيش السوري الحر". وكونها مدينة كردية بالكامل، دخل معطى "الأقليات" بقوة في مشهد حرب عين العرب التي كادت مراراً تسقط بالكامل بيد التنظيم الجهادي الذي استُنزف بقوة فيها. معطى يُضاف إليه الكلام عن التحالف الضمني بين الأكراد والنظام السوري، فضلاً عن حساسية المسألة الكردية بالنسبة للمؤسسة التركية، وهو ما تسبب بتوتر شديد في العلاقة التركية ــ الأميركية لدى مناقشة سبل محاربة "داعش". معطى آخر لا يقل أهمية هو الثقل الديمغرافي الكبير الذي ناهز الـ150 ألف شخص كردي دخلوا الأراضي التركية، مع ما شكله ذلك من ضغط على أنقرة ومناوشات في شوارع إسطنبول والمدن الأخرى أدت إلى سقوط قتلى وجرحى تحت شعار أن "تركيا لا تنقذ الأكراد" في عين العرب. أمام كل هذه التعقيدات، يمكن القول إن "داعش" خسر ورقة قوية كانت بين أيديه، وسط توقعات من قبل مراقبين تفيد بأن عين العرب قد تشكل منعطفاً يؤدي إلى المزيد من الخسائر لـ"داعش"، وهو ما يمكن أن تستفيد منه أطرف كثيرة: النظام أو التنظيمات الجهادية الأخرى، أو أخيراً أطراف من التنظيمات المعارضة المسلحة المصنفة في خانة "المعتدلة".

وتمكّنت وحدات "حماية الشعب"، بالاشتراك مع قوات البيشمركة الكردية القادمة من إقليم كوردستان العراق، وقوات الجيش الحر، أخيراً، من إلحاق هزيمة مدوية بتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في مدينة عين العرب (كوباني)، معلنةً أمس، سيطرتها الكاملة على المدنية، بعد تمشيطها آخر المناطق التي كان ينتشر فيها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في حيَّي "مقتله" و"كانيا عربا" في أقصى شرق المدينة.


وسيطرت القوات الكردية وقوات "الجيش الحر" بعد ظهر أمس، على تلة "كانيا عربا" الواقعة أقصى شرق مدينة عين العرب، والتي كانت في اليومين الأخيرين آخر مناطق سيطرة "داعش" الإستراتيجية في المدينة، ليصبح معها التنظيم خارج المدينة، وتقتصر سيطرته على القرى الواقعة في ريفها.

وأصبحت المدينة خالية تماماً من مقاتلي "داعش" بعد معارك استمرت نحو ثلاثة أشهر ونصف الشهر، بين مقاتلي "داعش"، من جهة، ومقاتلي قوات حماية الشعب الكردية التابعة لحزب "الاتحاد الديمقراطي"، الذي يسيطر على جميع المناطق ذات الغالبية الكردية شمال سورية، ومقاتلي قوات الجيش الحر، من جهة ثانية. وكانت الأخيرة قد انسحبت في ربيع العام الماضي من محافظة الرقة ومدينتي منبج وجرابلس في ريف حلب الشرقي نحو مدينة عين العرب، بعد سيطرة "داعش" على هذه المناطق.

بدوره، أكّد الصحافي الكردي أحمد قليج، لـ"العربي الجديد"، أنّه تم تحرير "مدينة عين العرب قبل أسبوع من الإعلان على وسائل الإعلام، ولكن يبدو أنه تم تأجيل هذا الإعلان كي يتزامن مع انعقاد لقاء موسكو، والذي دُعي إليه ممثلون عن الإدارة الذاتية (الكردية)، وذلك بغرض تحقيق مكسب سياسي يتزامن مع العسكري الذي أنجز على الأرض. في المقابل، كان "داعش" حائراً في البحث عن مخرج لتبرير الهزيمة، وما إعلانه اليوم عن ولاية خراسان إلا حركة إعلامية للتغطية على انسحابه من عين العرب، ومحاولة إقناع مؤيديه أن خلافته المزعومة تتمدد".

وأوضح قليج أن هذا الانهيار الذي لحق بصفوف مقاتلي "داعش" لم يكن مفاجئاً، وإنما هو نتيجة استنزاف على مدى أربعة أشهر من ضربات التحالف ومحاصرة القوات الكردية، ففي الأسبوع الأخير تم حصار عدد كبير من مقاتلي التنظيم داخل أحياء المدينة، مشيراً إلى أن "التنظيم أرسل كتيبة من مقاتلين أطفال في الأيام الأخيرة من المعركة، "أشبال الخلافة"، ما يدلل على الانهيار العسكري الذي لحق به في الأسبوع الذي سبق استرجاع المدينة".

غير أنّ قائد قوات "حماية الشعب" الكردية عصمت شيخ حسن، أكّد أن سيطرة مقاتلي قواته وحلفائها على مدينة عين العرب جاءت بعد نحو أسبوع على التقدّم الكبير الذي حققته على الجبهة الجنوبية الشرقية من المدينة، وتحديداً على هضبة "مشته نور" الاستراتيجية، والتي سيطرت عليها بداية الأسبوع الماضي، مما مكّنها من السيطرة النارية على خطوط إمداد "داعش" إلى مناطق سيطرتها شرق وجنوب مدينة عين العرب، حيث تمكنت قوات "حماية الشعب" بعدها من قطع خطوط إمداد "داعش"، من مناطق سيطرته في الرقة وريف حلب الشرقي نحو مدينة عين العرب.

وكانت قوات "حماية الشعب" بالتعاون مع قوات "الجيش الحر"، قد تمكّنت قبل يومين، من السيطرة على قرية ماميد الواقعة قرب طريق عين العرب ـ حلب إلى الجنوب من مدينة عين العرب، الأمر الذي ساعد هذه القوات على قطع طريق إمداد "داعش" من ريف حلب الشرقي الذي تسيطر عليه بشكل نهائي.

وكانت وصلت ثلاث دفعات من تشكيلات عسكرية مدعومة بمدافع وأسلحة من قوات البشمركة الكردية التابعة لحكومة إقليم كوردستان العراق إلى مدينة عين العرب، عبر الأراضي التركية لدعم مقاتلي قوات حماية الشعب الكردية وقوات "الجيش الحر".

وتسبّبت الاشتباكات العنيفة واستخدام "داعش" تكتيك السيارات المفخخة بدمار واسع في المدينة، ناهيك عن غارات طيران التحالف الدولي.
ودفع دخول "داعش" منطقة عين العرب منتصف شهر سبتمبر/أيلول الماضي التحالف الدولي إلى شنّ غارات جوية على مناطق سيطرة "داعش" في سورية، بعدما بدأها في وقت سابق على نقاط تواجد التنظيم في العراق.
وأسهمت غارات التحالف الدولي، بدورها، في إيقاع خسائر فادحة في صفوف قوات "داعش"، كما تسببت بدمار آليات التنظيم الثقيلة، إذ أوضح القيادي الميداني في قوات "حماية الشعب"، رفعت حمو، لـ"العربي الجديد"، أن قوات حماية الشعب أحصت أثناء تمشيطها للأحياء التي كانت قوات "داعش" تنتشر بها أكثر من عشرين مدرعة مدمرة للتنظيم.

بدوره، قدّر "المرصد السوري لحقوق الانسان"، عدد قتلى قوات "داعش" في أثناء المعارك التي استمرت على مدار الأشهر الأربعة الماضية في المدينة وريفها، بنحو تسعمئة وثمانين قتيلاً، في مقابل سقوط نحو أكثر من ثلاثمئة قتيل من قوات "حماية الشعب" الكردية، ونحو اثنا عشر قتيلاً في صفوف كتائب "الجيش الحر".

إلى الريف در

وانتقلت المعارك بين الجانبين بعد سيطرة القوات الكردية وحلفائها على مدينة عين العرب، بالكامل إلى ريف المدينة، حيث هاجمت هذه القوات قريتي "تميك" و"حلنج" الواقعتين إلى الجنوب والجنوب الشرقي من المدينة، قبل أن تتمكن من السيطرة عليهما صباح أمس، لتوسع مناطق سيطرتها جنوب مدينة عين العرب، وتعزّز من تقدّمها، في الوقت الذي يبدو فيه تنظيم "داعش" عاجزاً عن تدارك انهيار قواته في المدينة واضطراره للانسحاب من مناطق سيطرتها.

في السياق، أفادت مصادر ميدانية خاصة لـ"العربي الجديد" بتمكن قوات "حماية الشعب" وقوات الجيش الحر من الانتشار على تل حاجب الواقع إلى الشرق من مدينة عين العرب، بعد معارك مع مقاتلي "داعش"، الذين اضطروا في النهاية إلى الانسحاب من التل الاستراتيجي بسبب القصف المدفعي العنيف الذي شنته قوات البشمركة.


غير أن "داعش" لا يزال يسيطر على نحو مئتي بلدة وقرية صغيرة في ريف عين العرب، الأمر الذي يضع القوات الكردية وقوات الجيش الحر أمام تحدي مواصلة التقدم لاستعادة السيطرة على ريف عين العرب.
كما يواصل "داعش" حصاره لمدينة عين العرب من ثلاث جهات بحكم  سيطرته على ريف المدينة، وعلى مدينة تل أبيض التابعة لمحافظة الرقة والواقعة شرق مدينة عين العرب، ومدينة جرابلس الواقعة في ريف حلب إلى الغرب من عين العرب.

وكان هجوم داعش الكبير الذي شنه على ثلاثة محاور في منتصف شهر سبتمبر/أيلول الماضي على منطقة عين العرب، قد تسبب في تهجير قرابة 150 ألف من سكان المدينة وريفها بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وتوجه هؤلاء النازحون نحو الأراضي التركية ليقيموا في مخيمات عشوائية في الأراضي التركية قرب الحدود السورية. ولا يبدو أن أحداً من هؤلاء النازحين يمكنه أن يعود إلى المدينة بعد خروج تنظيم "داعش" منها بسبب الدمار الواسع الذي أصاب أحياءها.

وعد روسي

بموازاة معارك عين العرب، ومؤتمر موسكو الجاري حالياً في العاصمة الروسية بين أطراف سورية لا تمثل المعارضة السورية الحقيقية أو الثورة، علم "العربي الجديد" من مصدر مطلع داخل حزب "الاتحاد الديمقراطي"، رفض نشر اسمه، أن "الروس وعدوا الاتحاد الديمقراطي بالضغط على النظام للاعتراف الدستوري بالإدارة الذاتية الكردية".

ذات صلة

الصورة
تواصل الاحتجاجات ضد "هيئة تحرير الشام"، 31/5/2024 (العربي الجديد)

سياسة

شهدت مدن وبلدات في أرياف محافظتي إدلب وحلب الواقعة ضمن مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام احتجاجات ضد زعيمها أبو محمد الجولاني وجهازها الأمني
الصورة
تنظيم داعش/فرنسا

سياسة

رفعت فرنسا، أول من أمس الأحد، مستوى التأهب الأمني إلى الدرجة القصوى، وذلك في أعقاب هجوم موسكو الدموي الذي تبناه تنظيم "داعش"، مستعيدة تهديدات عدة للتنظيم.
الصورة

سياسة

قال وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا، اليوم الأحد، إن إرهابيين نفذا هجوما بقنبلة أمام مباني الوزارة في أنقرة، مضيفا أن أحدهما قتل في الانفجار بينما قامت السلطات هناك "بتحييد" الآخر.
الصورة

مجتمع

أعلنت السلطات الصحية العراقية، انتشال 5 آلاف و244 جثة من تحت أنقاض المناطق المهدمة بمحافظة نينوى، بعد 6 سنوات مضت على تحريرها من سيطرة تنظيم "داعش" الذي اجتاحها صيف العام 2014.