مرّ يوم أمس ولا تزال ماكينات التيار الوطني الحرّ في لبنان، بزعامة النائب ميشال عون، لم تكمل عملها المطلوب من أجل حشد الجماهير وإقناع الناس بالمشاركة في التظاهرة التي دعا إليها عون في ساحة الشهداء (وسط بيروت). فالعناوين التي يطرحها عون هذه المرة باردة، ولو أنها ممزوجة بما تيسّر من النفس الطائفي الذي يخاطب به مسؤولو التيار الناس في المناطق. واستكمل أعضاء في تكتل التغيير والإصلاح (التكتل النيابي والوزاري الذي يرأسه عون أيضاً) حملات تواصلهم مع الجمهور، فاستخدموا كافة مواقع ووسائل التواصل الاجتماعي. وانتشرت رسائل صوتية، سجّلها النواب بأنفسهم، هواتف المواطنين تحثّهم على النزول إلى الشارع والتكاتف مع التيار البرتقالي. كما أرسلت التنسيقيات وهيئات المناطق في التيار رسائل نصية تضمنت الدعوة الآتية: "وحدا (وحدها) الانتخابات بتنضف (تنظّف)! مظاهرة التيار مفتوحة للكل، لاقونا الجمعة 4 أيلول الساعة 5:30 بساحة الشهداء. النقل مؤمن". كما أنّ الأمور وصلت بعدد من المسؤولين العونيين إلى حد استغلال مشاهد مأساة غرق اللاجئين السوريين في البحر المتوسط، فنشروا صورة الطفل عيلان عبد الله ومعها تعليق "حتى لا يكون مصير أطفالنا مماثلا بسبب شعارات إسقاط النظام وغيرها، فلنشارك كلنا بتظاهرة التيار".
اقرأ أيضاً: اختبار الشارع العوني غداً: تكبير الشعارات وتجاوز المشاكل الحزبية
واعترف النائب سيمون أبي رميا، في الرسالة الصوتية التي عمّمها على المواطنين في منطقة جبيل (محافظة جبل لبنان، شمالي بيروت)، بأنّه "لوحظ التململ في صفوف التيار من خلال مظاهرات الحراك الوطني التي يشارك فيها كثر من شباب التيار لأن الشعارات شعاراتنا". وأضاف أنه "بعد الاستحقاق الداخلي في التيار وما تمّ تظهيره في الإعلام، المطلوب اليوم الوحدة أكثر من أي يوم مضى". وصل المسؤولون العونيون إلى حقيقة أنّ الانتخابات الحزبية التي نسفها عون بإرساء فوز صهره، الوزير جبران باسيل، برئاسة التيار قد أرخت بثقلها على الثقة بهذا الخيار السياسي، إضافة إلى كون عون لم يعد سوى أحد أركان السلطة والحكومة اللتين فشلتا في الاستحقاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمالية التي يمرّ بها لبنان منذ شغور منصب رئاسة الجمهورية في مايو/أيار 2014.
بالتالي يأتي تحرك عون في إطار محاولة إعادة إثبات وزنه الشعبي على الساحة المسيحية التي لم يتبيّن بعد مدى استجابتها وتعاونها معه. ولكون الفشل ممنوعا في هذه المهمة، أجمع نواب عون في مراسلاتهم الصوتية الإلكترونية على أنّه "في حال جاءت التظاهرة هزيلة بالعدد، فهذا يعني بداية انكسار صورة التيار الجارف على مستوى الوطن". فطلبوا من الأنصار والمحازبين إجراء تحدّ في ما بينهم لمن يستطيع حشد الناس أكثر وإنزالهم إلى الشارع "حتى تكون الحشود على مستوى طموحات التيار وآمال الجنرال عون". مع العلم أنه سبق للأخير أنّ وضع رقم 50.000 متظاهر هدفاً للتظاهرة.
اقرأ أيضاً: حراك بيروت ينتقل إلى العصيان المدني
وفي وقت لا يفترض أن يكون فيه هذا الرقم عقبة أمام رئيس أكبر كتلة نيابية في البرلمان (29 نائباً) والممثل بأربعة وزراء في الحكومة (مؤلفة من 24 وزيراً)، إلا أنّ واقع الأمور يشير إلى عجز التيار البرتقالي عن الحشد من خلال تتبع محاولات تعبئة جمهوره في الفترة الأخيرة. الأمر الذي يدفع المتابعين والمعنيين إلى الرهان على حلفاء عون لإنجاح المظاهرة التي يهدف من خلالها أيضاً إلى منافسة التظاهرة التي نظمتها الحملات المدنية والتجمعات الشبابية رفضاً لفشل السلطة وفساد الطبقة السياسية. تتجه الأنظار، أولاً، إلى الدعم الذي ينوي حزب الله تحديداً تقديمه لعون، خصوصاً مع مواقف قيادة الحزب التي تؤكد يوماً بعد آخر على أنها لن تسمح بأي شكل من الأشكال بـ"كسر عون". ففي هذا الإطار جاءت كلمة الأمين العام للحزب، حسن نصر الله، قبل ثلاثة أسابيع، وهو ما أعاد التأكيد عليه رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد الذي أضاف أيضاً: "استهداف عون يتم ليس لشخصه أو لتياره وإنما هو استهداف لحزب الله ولحركة أمل". وعاد إلى خطبة نصر الله كرر ما قاله الأخير: "إذا اقتضى الأمر والشارع أن نكون بجانب هذا الحليف سنكون، ولكن نحن من يقرر الساحة واللحظة والمكان والزمان". وبالتالي فإنّ الشارع على موعد غداً مع تظاهرة مشتركة بين عون وحزب الله، ولو قيل إن حشود الحزب نزلت بشكل عفوي.