عودة حزب الترابي للحكم: طي صفحة الانشقاق الكبير

14 يناير 2017
فَقَد "الشعبي" الكثير من تأثيره بغياب الترابي(أشرف الشاذلي/فرانس برس)
+ الخط -
طوى حزب "المؤتمر الشعبي" المعارض في السودان ما يزيد عن 17 عاماً من الخروج من السلطة، بعدما قرر المشاركة في حكومة الوفاق الوطني، وهو الذي ترك السلطة منذ العام 1999، بعدما وصل مع أقرانه إلى الحكم عام 1989 عبر انقلاب عسكري، كان زعيم "المؤتمر الشعبي" الراحل حسن الترابي مهندسه الأول، قبل أن يترك الترابي السلطة، وينشق الحزب الحاكم بعدها إلى حزبين، "المؤتمر الوطني" بقيادة الرئيس السوداني عمر البشير و"المؤتمر الشعبي" بزعامة الترابي.
ومع دعوة البشير للحوار في يناير/ كانون الثاني 2014، انقلبت مواقف "المؤتمر الشعبي" وسارع لتأييد الحوار والانضمام إليه والدفاع عنه بقوة، على الرغم من العثرات التي واجهته، وتراجُع النظام عن الكثير من الوعود المتصلة بتهيئة مناخ الحوار، بينها قضية الحريات، إلى أن أنهى الحوار أعماله في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وسط مقاطعة واسعة من قِبل قوى المعارضة الرئيسية، بينها حزب "الأمة" بقيادة الصادق المهدي والحركات المسلحة التي تقاتل الحكومة في دارفور ومنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان.
ويُنتظر أن تُعلن خلال الشهر الحالي حكومة الوفاق الوطني، كأحد مخرجات الحوار الوطني، بعد أن أُدخلت التعديلات المطلوبة حول تشكيلها في دستور البلاد. وبقرار مشاركة "المؤتمر الشعبي" في السلطة، والتي جاءت مشروطة بحزمة من التعديلات تتصل بالحريات ومهام الأمن واقتصارها في جمع المعلومات وتحليلها، يكون الحزب قد أدخل نفسه في مواجهة مع قطاعات مختلفة داخله، فضلاً عن بعض القيادات التي ترفض بقوة مبدأ المشاركة في الحكومة. وعمد بعض هذه القيادات إلى إصدار مذكرات احتجاجية بشأن الحوار، ولا سيما أن معظمها لم تكن تقبل بالأساس بمبدأ الحوار نفسه، لكنه صمت في حينها لوجود الترابي في قمة الداعمين للخطوة لما للرجل من مهابة ورمزية. هذه الخلافات تنذر بإمكان انشقاق الحزب، لا سيما أن هناك بعض القيادات عمدت عقب قرار المشاركة بتقديم استقالاتها احتجاجاً على الخطوة، وفق ما أكدت مصادر.
وبعد اجتماع يوم الخميس الماضي للهيئة القيادية لـ"المؤتمر الشعبي"، وُصف بالعاصف وتجاوزت مدته 13 ساعة، قرر الحزب المشاركة في الحكومة الجديدة بمستوياتها المختلفة، بعد اتخاذ الإجراءات اللازمة لإجازة التعديلات الدستورية المتوافق عليها، خصوصاً حول الحريات. ووفقاً لمصادر داخل الاجتماع، فإن الأمين العام للحزب إبراهيم السنوسي، مارس ضغوطاً و"ديكتاتورية" لتمرير القرار، كما عمد لحشد مؤيدين للخطوة، مضيفة أن علاقته الشخصية بالبشير قادت لجر الحزب نحو المشاركة في الحكومة.



ومع تزايد الخلافات بشأن التعديلات الدستورية التي أودعها البشير بشكل منفرد في البرلمان وأسقطت ما تم الاتفاق عليه من تعديلات تتصل بالحريات ومهام الأمن وحزمة تعديلات أخرى بلغت في جملتها 36 تعديلاً، ظهرت أصوات قوية داخل "المؤتمر الشعبي" طالبت بالانسحاب من عملية الحوار برمتها، إلى أن تدخّل البشير وحاول تهدئة الوضع عبر وعود بتحويل التعديلات إلى البرلمان قبل الدخول في إجازته الأربعاء المقبل. والتعميم الذي صدر بتوقيع الأمين العام لـ"المؤتمر الشعبي" إبراهيم السنوسي، حول إعلان المشاركة بالحكومة، لم يشترط لتنفيذ الخطوة سوى إيداع التعديلات لدى البرلمان وليس إجازتها، باعتبار أن أي تعديل دستوري يتطلب ستين يوماً للمصادقة عليه من قبل البرلمان، الأمر الذي يجعل من إقرار هذه التعديلات أمراً صعباً، نظراً إلى دخول البرلمان إجازته الدورية الأسبوع المقبل لثلاثة أشهر. وقالت مصادر برلمانية إن التعديلات المطلوبة سيتم إيداعها مع إعلان رفع جلسة البرلمان، على أن تجري المصادقة عليها في إبريل/ نيسان المقبل.
ورأى مراقبون أن قرار مشاركة "المؤتمر الشعبي" في الحكومة ليس مفاجئاً، في ظل سيطرة قيادات على الحزب تدعم المشاركة، فضلاً عن تأثر الحزب بغياب مؤسسه والأب الروحي له حسن الترابي، إضافة إلى أن هناك من يرى في المشاركة خطوة للاستقواء بالسلطة بعد فقدان سند الترابي الذي اختزل الحزب في شخصه.
ورجح مراقبون أن تقود الخطوة لتذويب "المؤتمر الشعبي" في "المؤتمر الوطني" وتلاشيه تماماً، وأن تعود الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الانشقاق بين حزبي البشير والترابي.
في المقابل، توقع آخرون أن تسهم مشاركة "المؤتمر الشعبي" في الحكومة بإعادة القوة للإسلاميين، بينما قلل البعض من الخطوة بالنظر لفقدان "الشعبي" تأثيره بغياب الترابي، فضلاً عن سيطرة البشير على الوضع ومحاولته إنهاء هذا الحزب بشكل كامل.
وقال المحلل السياسي عبدالمنعم أبو إدريس، إن مشاركة "المؤتمر الشعبي" في الحكومة تعني انتهاء قطيعة الإسلاميين وتحوّلاً جديداً يفتح الباب أمام عودتهم إلى مسرح الأحداث في البلاد. ولكنه رأى أن الخطوة سيحددها حجم المشاركة التي ستتاح لهم في السلطة، موضحاً أنه "إذا أُدخلوا ضمن الـ15 في المائة التي خُصصت للأحزاب المشاركة في الحوار في البرلمان، فلن تكون لهم القدرة على التأثير في قرارات الدولة، أما إذا زادت عن تلك النسبة فسيكونون قطعاً مؤثرين وستكون الخطوة بمثابة عودة الإسلاميين للحكم". وأكد أن الخطوة ستكون لها تأثيراتها على علاقة السودان مع الإمارات ومصر والسعودية، بغض النظر عن غياب الترابي عن المشهد بالنظر للخلفيات المؤثرة لمجرد اسم الحزب.
من جهتها، رأت الكاتبة مزدلفة عثمان، التي تتابع ملف "المؤتمر الشعبي"، أن الخطوة كانت متوقعة منذ مفارقة الحزب للمعارضة وانخراطه في عملية الحوار. واعتبرت أن "هناك قيادات قليلة العدد تقود المؤتمر الشعبي نحو المشاركة في الحكومة"، متوقعة أن تُحدث هذه الخطوة هزة في الحزب وتقود إلى حملة انشقاقات داخله قد تصل إلى تلاشيه تماماً مستقبلاً.


المساهمون