ووصف رئيس الهيئة العليا للمفاوضات، نصر الحريري، اللقاء الذي عقده ووفداً من الهيئة مع الوزير الأميركي بـ"المهم". بينما أفاد بيان صدر عن الهيئة العليا بأن اللقاء الذي استمر لنحو الساعة، حصل في جو من التوافق على معظم القضايا الأساسية في الملف السوري وتأييد للمعارضة سياسياً وإنسانياً. وبحسب البيان، استعرض الحريري في بداية اللقاء تطورات الملف السوري، مركزاً على ضرورة اتخاذ موقف دولي حازم تجاه استخدام النظام المتكرر للسلاح الكيميائي، وعلى ضرورة وضع حد للنفوذ الإيراني المتنامي في الساحة السورية، وأكد أن الشعب السوري بدأ يفقد القناعة في العملية التفاوضية بسبب تعنّت النظام وعرقلته الجهود الرامية إلى إيجاد حل سياسي. وأشار الحريري إلى أن وحدة الأراضي السورية هاجس لكل السوريين، مؤكداً أنه حتى تستمر العملية السياسية وتحقق أهدافها لا بد من تطبيق قرارات الشرعية الدولية في الانتقال السياسي، وأنه لا بد من تقديم دعم حقيقي للمعارضة التي تبدي تجاوباً وتعاوناً كبيراً مع جهود المجتمع الدولي.
من جهته، أظهر تيلرسون تفهمه لموقف المعارضة، وأكد توافقه مع تقييم الهيئة خطورة الوضع الراهن، وما يمكن أن تؤدي إليه عرقلة العملية السياسية، وفق بيان الهيئة. كذلك أبدى تيلرسون استعداد الولايات المتحدة للتعاون مع الهيئة بشكل أكبر للوصول إلى نتائج حقيقية للعملية السياسية، الأمر الذي يستلزم تعاون جميع الأطراف وانخراطها في العملية السياسية. وشدد على ضرورة التعاون الروسي في هذا الأمر وجلب النظام إلى طاولة التفاوض، وعلى ضرورة أن تكفّ إيران عن تدخلها عسكرياً وسياسياً في الشأن السوري. وقال الوزير إن الولايات المتحدة تعمل بالتعاون مع روسيا بشكل جدي على إجراءات بناء الثقة المقرّة بالقرارات الدولية والمتمثلة بتحريك ملف المعتقلين وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة. وأشار إلى أن الجانب الأميركي يعمل على إعادة إطلاق العملية السياسية، مشيداً بجهود الهيئة وجديتها لإيجاد حل يلبي طموحات الشعب السوري. وأكد تيلرسون أن عملية إعادة الإعمار في سورية مشروطة بنجاح العملية السياسية وتحقيق البيئة المحايدة، بحسب البيان.
وذكر البيان أنه "كان واضحاً من خلال النقاش إلمام الوزير الأميركي وإحاطته بتفاصيل القضية السورية وما يحتاجه الملف السوري من جهود وتعاون إقليمي ودولي للوصول إلى انتقال سياسي يحافظ على وحدة الأراضي السورية ويتيح الفرصة لكامل مكونات المجتمع السوري المشاركة في المرحلة المقبلة"، مشيراً إلى أن الطرفين اتفقا في نهاية اللقاء "على استمرار المشاورات وعقد مزيد من اللقاءات التقنية لتحقيق دعم حقيقي للمعارضة السورية يساعد على حل سياسي يوقف تدهور الوضع العام في سورية ويحقق الانتقال السياسي وفق قرارات الأمم".
في السياق، قال عضو وفد الهيئة حسن عبد العظيم، لـ"العربي الجديد"، إن اللقاء "كان جيداً وصريحاً وإيجابياً ومفتوحاً لمناقشة كل المواضيع المتعلقة بالعملية السياسية التفاوضية في جنيف ودور هيئة التفاوض الإيجابي والمبادرة فيها". وكان أعضاء وفد المعارضة قد التقوا قبل وصول تيلرسون للاجتماع، المسؤولين في الخارجية الأميركية ديفيد ساترفيلد وريتش اوتزن، اللذين تحدثا معهم حول مؤتمر سوتشي وأخبراهم بأن الوزير رحب بأفكارهم حول سير الأمور.
وجاء اللقاء في ظل تجاذب بين المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا، والنظام السوري، حول اللجنة الدستورية التي أقرها مؤتمر سوتشي ووضعها في عهدة الموفد الأممي لبلورتها في إطار مسار جنيف التفاوضي. وأعلن النظام، عبر مسؤول في وزارة خارجيته، أنه لا صلاحيات لدي ميستورا في هذه اللجنة. وقال معاون وزير خارجية النظام أيمن سوسان، الثلاثاء، إن "البيان الشرعي هو البيان الذي تم التصويت عليه في المؤتمر (سوتشي) والذي يقول: يجب أن تكون لجنة مناقشة الدستور سورية - سورية تشكيلاً ورئاسة، ويمكنها أن تستعين بالخبراء الاستشاريين إذا كانت بحاجة لاستعانة". ووصف سوسان تفسيرات المبعوث الأممي لبيان سوتشي بـ"المشوهة"، مضيفاً في تصريحات صحافية: "المؤتمر لم يعطَ دي ميستورا أي سلطة على أي شيء على الإطلاق". وأشار إلى أن نظامه "غير ملزم بأي شيء يتم تشكيله من قبل جهات خارجية وأي لجنة تشكل من الخارج مهما كان اسمها ومهامها وولايتها لا تعنينا على الإطلاق". واعتبرت صحيفة "الوطن" الموالية للنظام أن ما سمته بـ"التوضيح" الذي صدر عن سوسان "إفشال جديد لآخر محاولات تدويل الشأن الدستوري، وصفعة جديدة لتحركات المبعوث الأممي المنحازة والخارجة عن حدود صلاحياته". ومن الواضح أن النظام يحاول المناورة على هذا الصعيد كي يجيّر نتائج مؤتمر سوتشي لمصلحته، وهو ما قد يفتح باب خلاف مع حلفائه الروس الذين كانوا وراء مؤتمر سوتشي ومخرجاته، لذا من المتوقع أن يغير النظام رأيه تحت ضغط روسي.
في موازاة ذلك، كانت المعارضة المسلحة تضع حداً لمحاولات النظام وحلفائه الإيرانيين خلط أوراق الصراع في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، بنجاحها في القضاء على محاولة تقدّم مسلحين تابعين لتنظيم "داعش"، كانت قوات النظام قد سهّلت دخولهم إلى مناطق المعارضة. وقتلت فصائل المعارضة أو أسرت عناصر يتبعون لتنظيم "داعش" كانت قوات النظام قد سهّلت دخولهم إلى مناطق المعارضة هناك. وأكدت مصادر محلية أن المئات من عناصر تنظيم "داعش" سلموا أنفسهم مع عائلاتهم إلى فصائل المعارضة في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، وبذلك باتت محافظة إدلب خالية تماماً من فلول التنظيم. وأشارت المصادر إلى أن فصائل المعارضة في غرفة عمليات "دحر الغزاة" سيطرت الثلاثاء على قرية الخوين في ريف إدلب الجنوبي، بعد استسلام عناصر تنظيم "داعش" وتسليم أنفسهم للفصائل. وأكدت المصادر وصول العشرات من عناصر التنظيم المستسلمين، برفقة أسلحتهم إلى مناطق سيطرة المعارضة، مقدرة عددهم بين 300 إلى 400 عنصر، بينهم جرحى. وأكدت غرفة عمليات "دحر الغزاة" مقتل وجرح العشرات، وأسر المئات من عناصر التنظيم في بلدة الخوين جنوب شرق إدلب بعد اشتباكات عنيفة مع "داعش" استمرت لأكثر من ثلاثة أيام. وقالت الغرفة، في بيان الثلاثاء، إن "نظام الأسد قام مع حلفائه الإيرانيين والروس بنقل مجموعات كبيرة من تنظيم الدولة أول مرة من منطقة عقيربات وعبر مناطق سيطرتهم إلى ريف إدلب الشرقي، وضم إليها مجموعات من فلول التنظيم الهاربة من دير الزور والرقة، ليقاتل معهم جنباً إلى جنب ضد الثوار في ريف حماة الشمالي وريف إدلب الشرقي".
وأضاف البيان أنه "عندما انتهت مهمة التنظيم هناك، قام بتسليم مناطقه لقوات الأسد"، مشيراً إلى أن "نظام الأسد قام مرة ثانية بنقل عناصر تنظيم الدولة عبر مناطق سيطرته إلى بلدة الخوين شرقي إدلب لكي يقاتلوا الثوار". ولفت البيان إلى أن غرفة عمليات "دحر الغزاة" قامت بإحباط هذه المؤامرة وكشفت خيوط التنسيق والتعاون الأمني المباشر بين مجموعات تنظيم "داعش" من جهة ونظام الأسد وإيران من جهة أخرى، معتبرة عناصر "داعش" المستسلمين "أسرى"، مشيرة إلى أنهم سيعاملون "وفق مقتضيات القانون والعدالة والضرورات الأمنية"، وفق البيان. وأكدت مصادر محلية مطلعة لـ"العربي الجديد" أن أغلب المستسلمين هم سوريون، مستدركة بالقول: "وهناك عناصر أجنبية من تركستان وأوزبكستان وإندونيسيا، لافتة إلى أنه ليس من بينهم قادة في التنظيم، مؤكدة أنه لم تكن هناك عائلات معهم".
في سياق آخر، يواصل الجيش التركي ومجموعات من الجيش السوري الحر منذ العشرين من الشهر الماضي عملية "غصن الزيتون" ضد الوحدات الكردية في منطقة عفرين شمال غربي حلب. وأعلنت رئاسة الأركان التركية أمس الأربعاء "تحييد ألف و485 إرهابياً" منذ انطلاق العملية. من جهته، أكد المتحدث الرسمي باسم "الجيش الوطني" التابع للمعارضة المقدّم محمد حمادين أن سيطرة الجيش الحر على كامل ناحية جنديرس في ريف عفرين "باتت قاب قوسين أو أدنى"، مشيراً في بيان إلى أن مقاتلي المعارضة "وصلوا إلى مشارف المنطقة بعد معارك عنيفة ضد الوحدات الكردية". وأكد أن الجيش الحر سيطر على قرية أرشلي وتلتها في ناحية جنديرس عقب اشتباكات بالأسلحة الثقيلة دارت بين الطرفين "أدت لوقوع خسائر فادحة في صفوف المليشيات"، وفق البيان. كذلك أكد سيطرة الجيش الحر على قرية عمر سيمو على محور بلبل شمال مدينة عفرين، مشيراً إلى قيام الوحدات الكردية ليل الثلاثاء باستهداف مدينة إعزاز بريف حلب الشمالي بالمدفعية الثقيلة "ما أدى لإصابة عدد من المدنيين بجروح متفاوتة، نقلوا على إثرها للمستشفيات الميدانية، لتثبت بذلك مجدداً اتباع نهج نظام الأسد في عقاب المدنيين، واتخاذهم وسيلة للضغط على الجيش الحر". إلى ذلك، قال وزير الدفاع التركي نور الدين جانيكلي، خلال مشاركته في اجتماع لوزراء دفاع دول التحالف الدولي لمكافحة تنظيم "داعش"، عقد في العاصمة الإيطالية روما أمس الأربعاء، إن بلاده مصممة على تطهير منطقة عفرين من الإرهاب لحماية حدودها.