13 نوفمبر 2024
عن وهم مواجهة إيران بإسرائيل
من بين جملة تحديّاتٍ كبرى، يواجهها المشرق العربي اليوم، ثمّة مشروعان "إحلاليان"، يوشكان أن يفتكا ببنيانه، الأول (ايران) فرضته الجغرافيا، وهو ذو طبيعة إمبراطورية تبشيرية، تقوم على رفض "الآخر العربي"، تفكيكه والحلول محله، ليس بالمعنى المادي، إنما عبر تحويله ثقافياً ومذهبياً وحضارياً. والثاني (إسرائيل) متصل بمزاعم تاريخية في الأرض العربية، وهو ذو طبيعة كولونيالية، إحلالية، تقوم أيضاً على نفي "الآخر العربي"، إنما بالمعنى المادي (أي طرده واستيطان أرضه).
وعلى الرغم من نشوء إجماع عربي مطلق على رفض إسرائيل (الكيان الغريب المصطنع الذي جاء حلاً لمشكلة أوروبا اليهودية على حساب الشعب العربي الفلسطيني)، وعلى الرغم من إدراك الفرق بينها وبين إيران باعتبارها دولة "جارة"، وتمثل جزءاً "أصيلاً" من تاريخ المنطقة وجغرافيتها، إلا أن تفاوتاً في تقدير إلحاح الخطر ومداهمته ظهر بين دول المشرق العربي، خصوصاً مع خروج بريطانيا من سواحل الخليج العربي عام 1971، فدول الخليج العربية، وبسبب قربها الجغرافي من إيران، وصغر حجمها (أو) ومحدودية مواردها البشرية، فضلاً عن وجود مطامع إيرانية في أراضيها، رأت في إيران خطراً لم تشاطرها إياه بقية دول المشرق العربية (ما كان يعرف بدول الطوق خصوصاً) التي كانت أقرب جغرافيا إلى إسرائيل وأكثر إحساساً بخطرها.
ويمكن القول، أيضاً، أن النظرة إلى إيران تفاوتت حتى بين دول الخليج العربية، ففي 1973مثلاً، استعان سلطان عُمان بشاه إيران لقمع انتفاضة ظفار "اليسارية"، في حين مثلت السعودية، إلى جانب إيران، الضلع الآخر في الاستراتيجية الأميركية لضمان أمن الخليج بين 1969و1979. أما العلاقة مع إسرائيل، فقد اتسمت بحالةٍ مستقرة من العداء، ولم يكن أحد ليجرؤ على طرح فكرة التطبيع معها، حتى بعد أن قرّرت أكبر دولة عربية خلاف ذلك. وفي مؤتمر قمة بغداد عام 1978، صوّتت جميع دول الخليج العربية، باستثناء عُمان، على قرار طرد مصر من جامعة الدول العربية عقاباً لها على عقد صلح منفرد مع إسرائيل. صحيح أن العلاقات الخليجية -الإيرانية "غاصت" في حالةٍ من العداء غير المسبوق بعد 1979، نتيجة ميل إيران إلى تصدير ثورتها وسعيها إلى إطاحة الأنظمة الحليفة للغرب في الخليج، إلا أن التفكير بإسرائيل "حليفاً" في مواجهة إيران كان خارج حدود التصور. كما كان وجود العراق والتحالف الأمني مع واشنطن كفيلين باحتواء أي نزعاتٍ توسعيّة إيرانية. لكن هذا الأمر أخذ يتغيّر في الآونة الأخيرة، إذ بدأت تعلو أصواتٌ في الخليج وبين "حمقى"، لا يمثلون سوى أنفسهم في المعارضة السورية، تدعو إلى التطبيع مع إسرائيل لمواجهة إيران بذرائع مختلفة، منها سقوط العراق في الحضن الإيراني، وتخفف واشنطن من التزاماتها الأمنية تجاه المنطقة، وارتفاع منسوب الخطر الإيراني من اليمن إلى سورية.
المشكلة في هذا اللامنطق أنه معطوبٌ أخلاقياً وساذج سياسياً. أخلاقياً، يقتضي هذا التحول التخلي عن فلسطين والاعتراف بما قامت وتقوم به إسرائيل من ممارساتٍ ضد الشعب الفلسطيني ثمناً للحصول على "دعمها" في مواجهة إيران. سياسياً، يفترض هذا التحول وجود تناقضٍ جوهري بين المشروعين الإيراني والإسرائيلي، وهو أمر، إذا استثنينا الخطاب العدائي، يفتقر إلى وقائع تؤيده. واقع الحال أن إسرائيل سوف تستخدم حالة الذعر السائدة في المشرق العربي تجاه إيران للحصول على اعتراف وتطبيع معها، وحتى تأييد سياساتها، في مقابل مزيد من التهديدات الجوفاء ضد إيران. فوق ذلك، سوف ترسو العلاقات الإيرانية – الإسرائيلية، على الأرجح، على حالة من تقاسم النفوذ، وليس المواجهة والصراع، كما يظن بعضهم. وسيكون هذا التقاسم على حساب العرب ومن جيبهم. ويكفي الاستدلال على ذلك بالسؤال عن عدد الإسرائيليين الذين سقطوا في معارك إيران اللفظية ضدها منذ ثورة 1979، بما فيها تهديدات أحمدي نجاد بإزالة إسرائيل من الوجود، وكذلك عن عدد الايرانيين الذين سقطوا بنيران التهديدات الإسرائيلية الفارغة ضد برنامج إيران النووي. في المقابل، يمكن بالتأكيد إحصاء آلاف، بل مئات الآلاف من العرب الذين سقطوا على يد إيران وإسرائيل على امتداد المشرق العربي، من فلسطين إلى سورية والعراق وغيرهما. على هذه الحقيقة، يجب أن يصحو كل دعاة التطبيع وباعة أوهام الاستعانة بإسرائيل لمواجهة إيران.
وعلى الرغم من نشوء إجماع عربي مطلق على رفض إسرائيل (الكيان الغريب المصطنع الذي جاء حلاً لمشكلة أوروبا اليهودية على حساب الشعب العربي الفلسطيني)، وعلى الرغم من إدراك الفرق بينها وبين إيران باعتبارها دولة "جارة"، وتمثل جزءاً "أصيلاً" من تاريخ المنطقة وجغرافيتها، إلا أن تفاوتاً في تقدير إلحاح الخطر ومداهمته ظهر بين دول المشرق العربي، خصوصاً مع خروج بريطانيا من سواحل الخليج العربي عام 1971، فدول الخليج العربية، وبسبب قربها الجغرافي من إيران، وصغر حجمها (أو) ومحدودية مواردها البشرية، فضلاً عن وجود مطامع إيرانية في أراضيها، رأت في إيران خطراً لم تشاطرها إياه بقية دول المشرق العربية (ما كان يعرف بدول الطوق خصوصاً) التي كانت أقرب جغرافيا إلى إسرائيل وأكثر إحساساً بخطرها.
ويمكن القول، أيضاً، أن النظرة إلى إيران تفاوتت حتى بين دول الخليج العربية، ففي 1973مثلاً، استعان سلطان عُمان بشاه إيران لقمع انتفاضة ظفار "اليسارية"، في حين مثلت السعودية، إلى جانب إيران، الضلع الآخر في الاستراتيجية الأميركية لضمان أمن الخليج بين 1969و1979. أما العلاقة مع إسرائيل، فقد اتسمت بحالةٍ مستقرة من العداء، ولم يكن أحد ليجرؤ على طرح فكرة التطبيع معها، حتى بعد أن قرّرت أكبر دولة عربية خلاف ذلك. وفي مؤتمر قمة بغداد عام 1978، صوّتت جميع دول الخليج العربية، باستثناء عُمان، على قرار طرد مصر من جامعة الدول العربية عقاباً لها على عقد صلح منفرد مع إسرائيل. صحيح أن العلاقات الخليجية -الإيرانية "غاصت" في حالةٍ من العداء غير المسبوق بعد 1979، نتيجة ميل إيران إلى تصدير ثورتها وسعيها إلى إطاحة الأنظمة الحليفة للغرب في الخليج، إلا أن التفكير بإسرائيل "حليفاً" في مواجهة إيران كان خارج حدود التصور. كما كان وجود العراق والتحالف الأمني مع واشنطن كفيلين باحتواء أي نزعاتٍ توسعيّة إيرانية. لكن هذا الأمر أخذ يتغيّر في الآونة الأخيرة، إذ بدأت تعلو أصواتٌ في الخليج وبين "حمقى"، لا يمثلون سوى أنفسهم في المعارضة السورية، تدعو إلى التطبيع مع إسرائيل لمواجهة إيران بذرائع مختلفة، منها سقوط العراق في الحضن الإيراني، وتخفف واشنطن من التزاماتها الأمنية تجاه المنطقة، وارتفاع منسوب الخطر الإيراني من اليمن إلى سورية.
المشكلة في هذا اللامنطق أنه معطوبٌ أخلاقياً وساذج سياسياً. أخلاقياً، يقتضي هذا التحول التخلي عن فلسطين والاعتراف بما قامت وتقوم به إسرائيل من ممارساتٍ ضد الشعب الفلسطيني ثمناً للحصول على "دعمها" في مواجهة إيران. سياسياً، يفترض هذا التحول وجود تناقضٍ جوهري بين المشروعين الإيراني والإسرائيلي، وهو أمر، إذا استثنينا الخطاب العدائي، يفتقر إلى وقائع تؤيده. واقع الحال أن إسرائيل سوف تستخدم حالة الذعر السائدة في المشرق العربي تجاه إيران للحصول على اعتراف وتطبيع معها، وحتى تأييد سياساتها، في مقابل مزيد من التهديدات الجوفاء ضد إيران. فوق ذلك، سوف ترسو العلاقات الإيرانية – الإسرائيلية، على الأرجح، على حالة من تقاسم النفوذ، وليس المواجهة والصراع، كما يظن بعضهم. وسيكون هذا التقاسم على حساب العرب ومن جيبهم. ويكفي الاستدلال على ذلك بالسؤال عن عدد الإسرائيليين الذين سقطوا في معارك إيران اللفظية ضدها منذ ثورة 1979، بما فيها تهديدات أحمدي نجاد بإزالة إسرائيل من الوجود، وكذلك عن عدد الايرانيين الذين سقطوا بنيران التهديدات الإسرائيلية الفارغة ضد برنامج إيران النووي. في المقابل، يمكن بالتأكيد إحصاء آلاف، بل مئات الآلاف من العرب الذين سقطوا على يد إيران وإسرائيل على امتداد المشرق العربي، من فلسطين إلى سورية والعراق وغيرهما. على هذه الحقيقة، يجب أن يصحو كل دعاة التطبيع وباعة أوهام الاستعانة بإسرائيل لمواجهة إيران.