عن نوع من الثوار

07 مايو 2015
+ الخط -

أسباب الانحياز للثورات مختلفة، ثمة ثائر بحق، وآخر بمصلحة، وثالث نزل ليشتري سجائر، بعضهم ينحاز لبلاده، بعضهم ينحاز لمكانته، وبعضهم ينحاز لصورته أمام أصدقائه، ثمة ثوار بالفطرة، وثوار بالقوة، وثوار بالصدفة، وثمة من لم يجد ما يفعله، فثار مع الثائرين، ثمة من يشارك في قتل عثمان، ثم يخرج لطلب الثأر ممن لم يقتله، لا يوجد نقاء عرقي، ولا يوجد نقاء ثوري، الناس في ما يثورون مذاهب.

الأبنودي، الشاعر الفذ، نموذج صارخ على هؤلاء جميعاً، نموذج حالة، ثائر، كاذب، حر، وعبد، أبيض، وأسود، ومتلوّن، منحاز، ومذبذب لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، وهو في كل هذا، وبكل هذا، شاعر استثنائي، يعرف عن الميادين ما لم يعرفه أصحابها، وفي خصوم الثورة، ممن يدعون بها وصلاً، يقول في لحظة انحياز للثوار: وحاسبوا قوي من الديابة اللي في وسطيكم/ وإلا تبقى الخيانة منكم فيكم/ الضحك ع البق بس الرك ع النيات/ فيهم عدوين أشد من اللي حواليكم.

هنا يتحدث الخال في قصيدة "الميدان" التي كتبها أيام يناير العظيمة، عن صنف من الثوار شهدته كل الثورات، منافقون، انتهازيون، ينتظرون تقسيم الكعكة، قرأنا عنهم، ورأيناهم في شخوص بعض ممن شاركونا العمل الوطني ضد مبارك، في مراحله المختلفة، من اليمين، واليسار، من كافة التيارات، إلا أن من قرأ، ليس كمن تجرع، التجربة تمنح المعرفة زخماً لا يشعر به، إلا من اقترب وجرب، الأبنودي قالها بخبرة السنين، عجوز تربى في دهاليز الدولة العميقة، وعرف أزقتها وحاراتها، لم نلتفت، رغم سابق قراءة وتوقع، سكرة اللحظة التاريخية، ونقاؤها، ودفؤها غير المسبوق، طغى على الجميع، لم يكن أحد فينا يرى في صاحبه إلا أجمل ما فيه، ثقة الثوار في الثوار بعض من تخيلهم، إن لم يجدوه في الميادين لاخترعوه، أمارات، وعلامات، تصل إلى حد اليقين، فاتت علينا من دون أن نوليها اهتماماً، حتى شربنا المقلب جميعاً.

قبل الثورة، كانوا بيننا، لم يدخلوا حركة إلا أفسدوها، لم يشاركوا في حدث إلا أنقصوه، لم يتم الدفع بهم في موقع صدارة، إلا واشتكى منهم طوب الأرض، تجاوزات أخلاقية، وسياسية، ونقائص نفسية، وأيديولوجية، وأداءات منفرة، كانت سبباً في "تطفيش" الكثير من المخلصين الذين لم يتحملوا هذه الأجواء، ولم تكن لديهم القدرة على المثابرة.

هم رجال المجلس العسكري الذين ذهبوا إليه يتوسلون بقاءه، وهم ظهير شفيق في انتخابات الإعادة، وهم سبب رئيس في فشل الثوار في الاستقرار على مرشح رئاسي واحد، وهم رجال الثورة المضادة طوال فترة حكم الإخوان، وهم من دعم انقلاباً عسكرياً، تحت دعاوى مناهضة الدولة الدينية، وهم من خلق بإمكاناته، ووسائل إعلامه، ودعم الدولة العميقة التي تعرفهم نفراً نفراً، وتدفعهم، وتوظفهم، بيئة ابتزاز عامة، تزايد، وتشوه، وتطارد، كل من حاول أن يجد حلاً يخلصنا من مغالبة الإخوان من دون أن يفقدنا أهم مكاسب الثورة حتى ذلك الحين، الحفاظ على المسار الديمقراطي، والاستمرار في المعركة ضد دولة العساكر.

منهم النشطاء، ومنهم مرشحو رئاسة، ومنهم أعضاء برلمان، ومنهم رؤساء أحزاب، طاعون، لا تجد بيتاً ثورياً إلا وقد اندسوا بين أهله يحاولون نقل العدوى، هنا في مصر، وفي بقية بلدان الربيع العربي، الجميع يعرفونهم، والجميع يسكتون عنهم، فلماذا؟

في ظني، أن الحفاظ على سمعة الثورة أمام جماهيرها، وخشية المتربصين بها، هو ما جعلنا جميعاً، نرى، ونسمع، ونسكت، لم يشأ أحد منا أن يتحدث الناس بأن الثوار يفضحون أصحابهم، ابتلعنا مراراتهم، وانتظرنا غداً متسعاً للجميع، الآن هم سهام في جعبة الثورة المضادة، يوجهونها إلينا، تحت دعاوى الثورية، وما زالت أسباب امتناعنا عنهم مستمرة، يدعمهم، ويمنحهم فرص الاستمرار، غياب التحديد، سيولة الخطاب، مياعته، وأحياناً عن قصد، خلط الأوراق، غياب الأولويات، العسكر أم الإخوان، نحتاج إلى حسم، على الأقل للأسئلة الأساسية، من جديد، من نحن وماذا نريد، هنا والآن؟

المساهمون